في 22 نيسان 1948 لخص الكاتب الصهيوني وأحد مؤسسي جريدة «معاريف» عزرائيل كارلباخ طبيعة المواجهة التي كانت تجري في فلسطين بقوله: «إننا نحارب في هذه الساعات على حيفا… وهذا يعني اننا نحارب على الدولة ـ إسرائيل ـ برمتها».
«عروس الكرمل»، حارسة البر والبحر، قصيدة الشاطئ، مصدر وحي الشعراء والكتّاب والفنانين وعنوان العديد من إبداعاتهم، وأشهرها «عائد إلى حيفا» لغسان كنفاني وعروس شعر محمود درويش، المدينة ـ الحضن الجامع لكل الفلسطينيين، الشاهدة على التاريخ، وأول من أشعل الثورة في العام 1936 اثر استشهاد القائد البطل عز الدين القسام… وربما نتيجة هذا كله كانت بين اهم معاقل الحركة الوطنية ومهد الحزب الشيوعي الفلسطيني.
حيفا الجديدة، كانت قرية صغيرة في منطقة تل السمك على شاطئ البحر، قبل ان ينقلها ظاهر العمر الزيداني إلى الجنوب الشرقي ويجعلها مدينة تضج بالحياة، مفتوحة لأبناء فلسطين وجوارها العربي جميعا: ففيها كنيسة السيدة ودير مار الياس ومقام الخضر ومعبد البهائيين وضريح عباس افندي بهاء بقبته المصفحة بالذهب… كذلك فيها «عمود فيصل»، إذ ان ملك العراق ـ آنذاك ـ الذي توفي في أوروبا حيث كان يستشفي قد نقل بحراً إلى ميناء حيفا ومنه أكمل رحلته الأخيرة إلى عاصمة ملكه في بغداد.
أما حيفا اليوم فقد غدت أكثرية سكانها من اليهود الإسرائيليين (270 ألف نسمة) بعد ان اقتحموها واخرجوا منها أهلها الذين بنوها وجعلوها بين أهم الموانئ على شاطئ المتوسط، فلم يتبق منهم فيها إلا 35 ألف نسمة.
ومثل بقية المدن الفلسطينية شهدت حيفا عملية تهويد شاملة لمسح هويتها الأصلية، فتم تركيز المهرجانات والمسيرات لليهود المتدينين فيها، ومورست على أهلها ضغوط هائلة لبيع منازلهم وأملاكهم، وشنت عليهم حرب نفسية قاسية بالمناشير والتهديدات المباشرة لإخراجهم منها تحت شعار «أرض إسرائيل لنا.. اخرجوا من هنا»!!
في حيفا حي للفنانين بوادي الصليب، وبيوتها المسروقة تعرض للبيع، وكعادة الإسرائيليين في مسح التاريخ والهوية فقد غيروا الأسماء وأطلقوا تسميات «توراتية» لا صلة لها بالمكان وأهله عبر الزمن..
جدير بالملاحظة ان الإسرائيليين صاروا، بعد حربهم الفاشلة على المقاومة في لبنان، يفضلون «ما بعد حيفا»، وتفاقمت هجرة شبابهم إلى مركز البلاد في الداخل، وبالمقابل تزايدت هجرة الشبان العرب إلى المدينة، مع ان أحياءهم غير مؤهلة لاستقبالهم، فلا ملاجئ فيها.. كذلك فهم حرموا من التعويضات التي دفعت لـ«جيرانهم» من اليهود، عن خسائرهم في حرب تموز 2006.
ان مستقبل أهالي حيفا «الأصليين» غامض ومقلق، مثلهم مثل سائر أبناء فلسطين العربية..
عن «حيفا منارة الكرمل» هذا العدد من «فلسطين» حتى يظل تاريخنا حاضراً في وجداننا وحتى لا يلتهم اليأس الذاكرة ومعها التاريخ والجغرافيا.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان