ها هي إسرائيل تطفئ آخر مصابيح النور في لبنان..
مَن يشكك، بعد، في صدق نيتها الانسحاب من هذه الأرض التي لا تفتأ تتفجر براكين غضب بجنود احتلالها؟
أما مَن يريد أن يعرف حدود الانسحاب فدليله حاضر:
اتبع مسار الخراب يدلك على إسرائيل، أين مرت وأين تريد أن تكون وهي منسحبة!
ها هي حدود الانسحاب واضحة، برغم اغتيال النور، فهي بألسنة النيران الملتهمة المرافق العامة والمنشآت، تتوهج وترشد التائهين عنها، وتغني عن فذلكات الموفد السويدي لارسن، وعن خرائط الانتداب الفرنسي التي ضاعت فجأة، وعن محفوظات لجنة الهدنة التي ترقد الآن في كنف لجنة »تفاهم نيسان« عند الحد الفاصل بين الحرب المحدودة والحرب المفتوحة، بين الاحتلال بالانسحاب، والانسحاب بالحرب.
ها هي إسرائيل قد رسمت الحدود جميعا بالنار على أرض لبنان، ببشرها وشجرها، بجسورها وأعمدة النور، بالطرقات العامة والمرافق العامة:
يمتد خط الانسحاب، إذن، وفقاً لآخر خريطة بالنار، من البداوي الطرابلسية في شمال الشمال، إلى بريتال البعلبكية في شمال الشرق، ومن تعنايل في جنوب الغرب الشمالي الشرقي الى بصاليم في شرق الشمال الغربي الجنوبي…
ها هي خريطة الانسحاب بالأحمر على الأخضر، بالناري على الأخضر، بالأسود على الأخضر، تمتد من شاطئ البحر عند بيروت إلى جبل البحر في دمشق،
فمن ذا الذي يشكك، بعد، في أن إسرائيل صادقة في عزمها تنفيذ القرار 425؟!
إنها لشدة احترامها الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وسيادة لبنان واستقلاله ووحدة أراضيه تكاد تجعل منه 425 قطعة، و425 »أمة«، متحدة، برغم قطع الطرق وقطع الأوصال وقطع الاتصال وقطع الأرزاق وقطع الأعناق.. إضافة الى قطع النور، بطبيعة الحال!
لعل إسرائيل تريد أن تثبت لنا أن احتلالها أرضنا أقل كلفة علينا من انسحابها، بعدما كانت تدعي انها إنما تريد الانسحاب لثقل كلفة الاحتلال عليها؟!
لعلها تريد أن تقنعنا بأن احتلالها هو مصدر الخير والهناءة ورغد العيش والنور والتواصل والأمن، فنخرج بتظاهرات التأييد لدوامه واستمراره حتى لا يقتلنا التحرر وإجلاء الاحتلال والفراغ الأمني جلاب الموت؟!
لعلها تريد أن تثبت لنا أن التلازم الآمن معها، أما التلازم في المسارات مع غيرها، ومع سوريا تحديدا، فهو مصدر الهلاك؟!
لعلها، أخيرا، تريد أن تثبت رغبتها الحارقة في علاقات حسن جوار مع لبنان: فتكون هي القلعة المنيعة، وهو الطائر المهيض الجناح، هي مصدر النور والإشعاع ومركز التفوق والتقدم والتقنية العالية والمصرف العالمي والمنتجع السياحي الممتاز بالتراث الديني المقدس فيه، بينما لبنان بلد بلا ماء ولا كهرباء ولا طرقات ولا مصانع ولا مزارع، فنادقه قديمة ومصارفه متخلفة، وقدرته على المنافسة معدومة ولا مجال لتعويض ما فاته لأنه كلما ابتنى مصدرا يعوّض به تخلفه المزمن دمرته، تارة بذريعة انه يعطل تقدم قواتها الداخلة إليه وطوراً لأنه يعطل خروج قواتها المنسحبة منه!
مع هذا فسنبقى في لبنان لن نتركه ولن نهاجر منه،
سنضيء القناديل والشموع ريثما نجدد محطات التحويل،
وسنعيد بناء كل جسر وكل بيت، كل مصنع وكل مرفق،
وسنثبت اننا الأقوى، لأننا أهل الأرض، هي منا ونحن منها ولا افتراق.
وحرب الانسحاب مريرة وطويلة ومكلفة،
لكن التحرير أثمن من أن يعرض في المزاد!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان