لبعض الأسماء “هيبة” خاصة ورنين متميز في أذن السامع، فهو يشعر معها أنه ذاهب إلى التاريخ أو أنه إنما يدخل التاريخ ويتحرك في قلبه.
وبين هذه الأسماء: النادي الثقافي العربي، فقد كان دائماً أكبر من جامعة، وشاملاً بحيث يعطي المدينة شيئاً من وهجه فتعرف به بقدر ما يكون شهادة لها. وهكذا العلاقة بين بيروت والنادي الثقافي العربي، لولا مناخها المتميز ما كان، لكن وجوده فيها، ثم دوره الاستثنائي برمزيته لما كانت لها صورة “الأميرة” في الذهن العربي،
“بيروت المنتدى والجامعة والمطبعة والكتاب والشارع الوطني العربي وصحيفة الصباح”، تعني أول ما نعنيه بيروت النادي الثقافي العربي،
أوسع أفقاً من حزب، أرحب من مؤسسة ثقافية، وأعظم دوراً من تجمع لبعض المتحمسين المؤمنين بالعروبة طريقاً إلى الوحدة والتقدم والتحرير.
“مخبر الثورة”، والأهم: “مخبر قدرة الفكر القومي على الأخذ بأسباب التقدم، لاسيما في المجال الاجتماعي”…
وليس بالمصادفة أن “النادي” صار أداة ربط قومية ثم شخصية بين الآتين إلى وجوه الصحي حيث تتفتح الأحلام والأماني والعواطف أيضاً، وحيث تسقط الحدود بين “أعضائه”، وسواء أكانت كيانية أم دينية أم مذهبية.
اليوم، وبينما يسلم “المحارب القديم” محمد قباني راية النادي لخلفه الدكتور حسني مجذوب لا بد من تحية لهذا الفتى ابن بيروت الذي أتى النادي مأخوذاً بوهجه، ثم أعطاه معظم عمره عضواً ثم رئيساً في الزمن الصعب: زمن الدمار والموت والاندثار والتنكر لكل من وما هو عربي، وزمن التبرؤ من شبهة الانتساب إلى التيار القائل بالوحدة والثورة والتحرير والتقدم الاجتماعي.
لولا النادي الثقافي العربي لما كان محمد قباني هذا الذي تعرفه اليوم،
ولولا محمد قباني لكان النادي الثقافي العربي قد انتقل بالوفاة من الواقع الحي المعاش إلى مهجع الذكريات الحميمة واستقر في مدفن “كان” الرحب.
لكأنه حارس ما تبقى من الزمن الجميل ومن الأسماء الحسنى، هذا المهندس الدؤوب والذي كثيراً ما شكا “الزملاء” من إلحاحه، ومن انتظامه في المطالبة بحقوق النادي الثقافي العربي وأهمها أن يبقى في التداول اليومي، وأن يعرفه ويأتيه ويعطيه هذا الجميل الذي كادت تجعله الحرب أمياً ومتعصباً وضيق الأفق ومعادياً للعرب والعروبة والقضية والشعارات المقدسة.
تحية لمحمد قباني الذي سيظل اسمه متقاطعاً مع اسم النادي الثقافي العربي، كما قسطنطين زريق وجوزيف مغيزل وآخرين، وإن كان كل من موقعه وبنكهته الخاصة.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان