فقدت بيروت ومعها لبنان ودنيا العرب من محيطها الى خليجها وفي القلب منها فلسطين، وفقدت حركة النضال القومي العربي والوطني اللبناني، أحد مراجعها الشامخة الدكتور الطبيب اسامة فاخوري رحمه الله.
الراحل الكبير هو ابن الشيخ محمد افندي رائف فاخوري احد الاعضاء الخمسة في اللجنة التي انتخبت في الثامن عشر من كانون الثاني عام 1925 وكلفت درس مشروع المجلس الاسلامي، وهو القائل: “علموا الشباب معنى الحرية والفضيلة وعلموا الفتاة معنى الخجل والعفة”، وهو حامل مفتاح الصندوق للأثر الشريف للنبي محمد عليه الصلاة والسلام الموجود داخل الحجرة الكائنة في الجامع العمري الكبير الذي آل اليه أباً عن جد من يد افتخار المتقين الصالحين جناب الشيخ محي الدين افندي الفاخوري الذي ورد اسمه في الحجة الشرعية الصادرة سنة 1889 حيث وصل المفتاح المذكور لاحقاً لشقيق الراحل محمد حسان فاخوري الى ان الصندوق سرق في بداية الاحداث عام 1976.
والراحل هو ابن العائلة البيروتية اللبنانية العربية والاسلامية التي انجبت على الدوام مرجعيات لامعة في مختلف هذه المناحي، وهو ابن البسطة، بسطت الشموخ والكرامة والعنفوان، فكان طبيب القلب المشهور في بيروت (في مستشفى صديقه ورفيقه د. نسيب البربير ـ مستشفى دار الصحة) الذي لمع فيها طبيباً انسانياً صاحب رسالة في الطب (وليس صاحب مهنة تجارية) وذلك على سيرة مؤسسي ورافعي رايات رسالة الطب في خدمة الانسان منذ قسم ابو قراط قبل الميلاد وحتى اليوم.
المغفور له الدكتور اسامة فاخوري كان الى جانب اختصاصه الطبي سياسياً، وطنياً ومناضلاً قومياً عربياً، يتقدم الصفوف النضالية والمطلبية اللبنانية والعربية، داعية ناشطاً للوحدة والتحرر واستعادة فلسطين، وداعية اصلاح وتطوير للنظام اللبناني السياسي الطائفي المذهبي للإنتقال به الى الدولة المدنية دولة المواطنة التي يدخلها المواطن اللبناني مباشرة ذكراً كان ام انثى دون المرور بطائفته او مذهبه، وتكون هذه الدولة معبرة تعبيراً صحيحاً وواقعياً وعلمياً عن تعبير (الدين لله والوطن للجميع). وهذا ما جعله مقرباً ورفيقاً للمعلم كمال جنبلاط، وعلى اساس هذا الوعي القومي العربي والوطني اللبناني انخرط الراحل بكل قواه وطاقته ليجسد هذا المفهوم بانحيازه للحركة الشعبية اللبنانية والعروبية، فأسسنا وإياه مع كوكبة من المناضلين منظمة الاتحاد الوطني للعمل الاجتماعي والديمقراطي وكان امينها العام، كما تبوأ بعد ذلك مركزاً قيادياً في الحركة الوطنية اللبنانية، فاحبته بيروت كما احبها، ورفعته الى الندوة اللبنانية عام 1992 رفيقاً على لائحة على الرئيس سليم الحص.
ان المرحوم الدكتور اسامة فاخوري الذي عايشناه يوماً بيوم، وساعة بساعة طبيباً ومناضلاً قومياً عربياً ووطنياً لبنانياً وفوق ذلك علمانياً مؤمناً، كان صاحب الطلة الواحدة، والمواقف الثابتة، والايمان العميق بكل ما كان يقوله ويعمله وينفذه.
الى جنات الخلد ومع الصديقين والابرار وشعب لبنان بعامة وبيروت بخاصة سيبقى وفياً لمسيرتك ولن يَحيد عن مبادئك.