من زمان تفتقد الضاحية ـ الضحية، “التي صارت” الضاحية النوارة الطيران الحربي للعدو الإسرائيلي، وبالتحديد منذ حرب تموز ـ آب 2006 ، حيث دمرتها صواريخ المقاومة، لتنتهي تلك الحرب بنصر مؤزر للمقاومة والشعب والجيش في لبنان، وهزيمة ساحقة للعدو، حاولت واشنطن التخفيف من آثارها بالقرار الدولي 1701.
كان الأهالي فيها، كما في بيروت، يسمعون بين ليل وآخر، هدير الطيران الحربي الاسرائيلي وهو “في طريقه” إلى ضواحي دمشق، أو إلى بعض نواحي الطريق بين حماه وحلب..
كما كانوا يسمعون تهديدات رئيس حكومة العدو لسوريا والعراق، والغارات التي أخذت تتوسع في الفترة الأخيرة، متجاوز كل الخطوط الحمر والصفر والخضر لتشمل إيران التي كانت مع “حزب الله” الهدف الأول.
أما المواطن البسيط فكان يرى في ذلك كله مؤشرات جدية على إنهيار ما كان يسمى “الصف العربي” الذي لم يكن واحداً، بالفعل، في أي يوم.
على أن هذا المواطن كان ينظر حوله فيرى أن الظروف العربية البائسة تشجع العدو الاسرائيلي على توسيع المدى الحيوي لطيرانه الحربي إلى العراق، مع توجيه التهديدات المباشرة إلى ايران مستغلاً التوتر الذي ساد في الخليج العربي، بعنوان مضيق هيرمز، حيث حاصر الأميركيون ناقلة النفط الإيرانية عند مضيق جبل طارق بذريعة انها تحمل النفط إلى سوريا..
كأنما الولايات المتحدة الأميركية برئاسة الأحمق دونالد ترامب تقرر بإرادتها لمن يباع أو لا يباع النفط الإيراني.. وكأن سوريا في نظر ترامب “دولة معادية” وتحت الحصار، باعتباره حامي حمى القانون الدولي في أعالي البحار.
… ولقد نجح طيران العدو في غارته بالطائرات من دون طيار الموجهة من إصابة أقوى قاعدة جوية ـ بحرية ـ برية لـ”حزب الله” في الضاحية أي المكتب الإعلامي الذي يقوده ويرعى شؤونه “الزميل” الناشط والدقيق والحاضر محمد عفيف.
وبلغ النجاح ذروته بسقوط أو إسقاط أو تفجير أو تدمير هذه الطائرة المن غير طيار المغيرة، مع الفجر، ثم اسقاط الطائرة الثانية المن دون طيار أيضاً..
وكان طبيعياً أن تدوي الانفجارات في سماء بيروت وبعض الجبل، وأن يعلن “حزب الله” حالة الاستنفار، وأن يعرض قطع الطائرتين المدمرتين على الجمهور، مؤكداً حضوره واستعداده للرد على أي عدوان يشنه العدو على بيروت وضواحيها في المكان والزمان الذي يختارهما.
أن الضاحية ـ الضحية التي أعيد بناؤها بعد الحرب الإسرائيلية في تموز ـ آب 2006 قد اتسعت حتى غدت مدينة كبيرة تناهز في عدد سكانها العاصمة بيروت وربما تزيدها..
ثم أن هذه الضاحية ـ الضحية قد دمرها، أول مرة، الرئيس البديل من أخيه، أمين الجميل، في ربيع العام 1983، مفترضاً انه بذلك يفتح الطريق أمام “اتفاق العار ـ 17 أيار”، لكن الاتفاق أسقط بالقوة… وأمضى امين الجميل ما تبقى من الوقت في محاولة كسب رضا دمشق والرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، وموافقته على التجديد لأمين الجميل أو التمديد له..
ويذكر لهذا “البديل” انه قد فتح مؤسسات لبنان المالية والاقتصادية مصرف لبنان، طيران الشرق الأوسط والمتبقي من أرصدة بنك انترا (يوسف بيدس) لكي ينهبها بعض أصدقائه بالشراكة معه، ومن هنا فقد اشتهر باسم الدلع “مسيو فان بورسان” أو “السيد عشرون في المائة”، لأنه كان يأخذ لنفسه حصة الخمس من أية صفقة شراء أو بيع لممتلكات القطاع العام .. تشجيعاً لقطاعه الخاص وتاميناً لإزدهار لبنان.
في أي حال، فان العين الساهرة على لبنان تجعل أهله ينامون مطمئنين، فلا الحرب الاسرائيلية (1982) ستتكرر، ولا الغارات الاسرائيلية المكلفة ـ في حال حدوثها ـ ستغير توازن الردع القائم.
أما أهل الضاحية الذين خبروا الصمود فهم يعرفون أنهم في مأمن وأن أي هجوم أو حتى حرب اسرائيلية لن تنتهي إلا بمثل ما انتهت به حرب تموز.