أحاول في هذا النص أن أستعيد شيئاً من سيرة علاقتي برئيس تحرير صحيفة “السفير” الأستاذ طلال سلمان طوال خمسة عقود، ولا سيما تلك اللمعة الذكية التي تجعل “أبو أحمد” يجتذب المواهب والقضايا والأفكار، بلغة مهنية إحترافية ممزوجة بالموقف الجريء.
اللقاء الأول.. قبل الحرب الأهلية عام 1974
تم اللقاء الأول مع الأستاذ طلال سلمان في مكتب الصحافي الراحل رياض طه في«اللعزارية» قبل الحرب الاهلية. كنت رفقة الصديق عبدالهادي محفوظ . كان طلال أستاذاً وكنا تلاميذ في بداية التزامنا السياسي الماركسي. لم يدم اللقاء طويلاً. بضعة جمل سياسية انتهت بضحكته الساخرة عندما وصفت ما قاله بالمنحى البرجوازي الصغير. بدا وكأنه يُشفق على شابين يُردّدان ما ردّده ماركسيو العالم العربي ما بعد نكسة عام 1967 عن أفول الناصرية «البرجوازية الصغيرة» وانبثاق عصر البروليتاريا. لم تغب عني أبداً ضحكته الساخرة منذ تلك اللحظة. كانت دقائق اللقاء الأول كافية لكي لا أنسى هذا «الأستاذ» الذي لا يُمكن أن يمر عليك مرور الكرام.
***
اللقاء الثاني تم بما يشبه الصدفة في عام 1978
كنت أعمل في “معهد الانماء العربي” (محتجب). عملت قبل ذلك في جريدة “بيروت” المحتجبة أيضاً منذ العام 1977.
كنت في بداية عملي الصحافي، وكانت “السفير” في غرة نهوضها. باشرت كتابة مقالات ثقافية على صفحاتها بترحيب من حازم صاغية مسؤول تلك الصفحات في حينه ومقالات رأي في صفحة يشرف عليها الصحافي التونسي الراحل صالح بشير.
في ذلك الوقت، نشرت مقالين في “السفير” عن مشاركة لبنانيي الجنوب والبقاع في الثورة السورية الكبرى (1925 ــ 1927)، فأثار ما كتبته حفيظة زعيم إحدى العشائر الحمادية الذي كان «مقرباً» من الإنتداب، وذلك إلى حد إرسال مسلحين من العشيرة إلى الجريدة لمعاقبة الكاتب. تدبر الأمر الأستاذ بلال الحسن رئيس التحرير في حينه ونشر ما يشبه نفياً لما ورد فضلاً عن نشر ردود من طرف الزعيم المعني تؤكد ما ذهبت إليه في معرض النفي.
بعد أيام مررت على الجريدة لمتابعة ردود الفعل حول القضية عبر صديقي التونسي الذي قال لي إن الأستاذ طلال يريد أن نمرّ عليه في مكتبه. رحب بي «الأستاذ» مبتسماً هذه المرة بسخرية أقل ومعلقاً «المرة الجايي إذا بدك تكتب عن ثورة من هذا النوع خبّرنا قبل لناخد إجراءات حماية للجريدة»، وختم مُرحباً «فيك تعتبر”السفير” جريدتك».
ثم طلب مني أن أرافق صالح بشير إلى حي «أبو سهل» في «الطريق الجديدة» في مسعى لإطلاق سراح الصافي سعيد، وهو أيضاً صحافي تونسي كان يعمل في “السفير”، وقد أوقفته إحدى المنظمات الفلسطينية عن طريق الخطأ. خرجتُ من مكتبه وكأنني أعرفه منذ سنين وأن هذه المعرفة تتيح له طلباً يطلبه عادة من أحد صحافييه أو أحد معارفه المقربين.
***
اللقاء الثالث.. من بعد إجتياح العام 1982
لم ألتقِ الأستاذ طلال من بعد حتى العام 1983.
لست بطبعي من المبادرين لطلب لقاء بهذا المسؤول الاعلامي أو ذاك خصوصاً أنني كنت في حينه أعمل في معهد دراسات يضم نخبة مميزة من الباحثين وبالتالي لا أحتاج للعمل اليومي في الصحف.
مرت خمس سنوات لم ألتقِ الأستاذ طلال إلا صدفة في مكاتب “السفير” حيث كنت أتردّد بين الحين والآخر بل صرت أحمل بطاقة الجريدة وكأنني أحد العاملين الأساسيين فيها ولا أعرف إن كان هذا الإمتياز يمنح لآخرين.
كان الوقت نهاية الربيع. كان لبنان يخوض مفاوضات ماراتونية مع الجيش الإسرائيلي للانسحاب من الأراضي اللبنانية وكانت بوادر اتفاق 17 أيار/مايو تلوح في الأفق. كان التقدير السائد في ذلك الحين أن السلام قادم بشروط إسرائيلية تستدعي إعادة ترتيب الأوضاع اللبنانية بما يتيح طمأنة تل ابيب إلى أن البيئة اللبنانية لن تعود يوماً بيئة مقاومة. كان ينبغي نزع كل سلاح ثقيل من الجنوب وتفكيك الكتلة السكانية الضخمة التي كانت تستند إليها المقاومة الفلسطينية في ضاحية بيروت الجنوبية والتي كان يوازي عدد سكانها ربع سكان لبنان. سنعرف من بعد أن السلطات الرسمية اللبنانية كانت قد حصلت على مباركة القوات متعددة الجنسيات المتمركزة في الضاحية لتفكيك هذه الكتلة السكانية تحت ستار مشروع للتنمية ومكافحة الإرهاب. وعلمت من بعد أيضاً ان الأستاذ طلال سلمان صمّم على التصدي لهذا المشروع عبر ملف استقصائي يُعدّه أحد أبناء الضاحية وقد رشّحني لهذه المهمة علماً أنني لم أكن مُوظفاً في الصحيفة.
إتصل بي الزميل باسم السبع وسألني إن كنت أوافق على إنجاز هذا الملف. وافقت بشرط أن أشكل فريقاً من خارج الصحيفة.. وهكذا تم حيث استعنت بالأصدقاء خليل خوري ووفاء شرف الدين وعلي بزي وانضمت إلينا زينب حسون من “السفير” والمصور علي حسن وقررنا أن يكون منزلي في الضاحية بمثابة مكتبنا بعيداً عن مكاتب الصحيفة.
عندما بدأنا بنشر حلقات ملف الضاحية، قال لي جوزف سماحة إن «الأستاذ» كان «يدبك» في مكتبه زهواً وفرحاً. بدا وكأنه يُمسك بعناق ملف 17 أيار/مايو وأنه بصدد الإطاحة به على الأقل في بيروت. لم يعبأ بالتهديدات التي وصلت من المخابرات اللبنانية بإقفال “السفير”. ولم يعبأ بطلبات اختصار الملف الذي وصل إلى 17 حلقة بل بات أكثر تشدداً عندما علم أن السفارات الفرنسية والأمريكية والبريطانية ترجمت الملف وأنها طلبت من رئيس الجمهورية (أمين الجميل) طي صفحة تفكيك الضاحية. ولعل زهوه وصل إلى الأقاصي عندما التأم مجلس نقابة الصحافة اللبنانية وأصدر قراراً باعتبار هذا الملف أهم عمل صحافي لبناني خلال ربع أو نصف قرن، لم أعد اذكر بدقة.
لا يحب طلال سلمان أن يكون المرء في جريدته نصف صحافي. الصحافة عنده تكون مصيراً أو لا تكون. اقترح صالح بشير أن أكون ناقداً سينمائياً في “السفير” وكان الفن السابع إحدى هواياتي المفضلة. رفضت العرض لأسباب عديدة. واقترح عليّ باسم السبع أن «أدخل إلى المهنة» وأن أكون محققاً فرفضت أيضاً. كنت مُصمماً على إنهاء دراستي في العلوم الإجتماعية وأن أتفرغ للبحث والتعليم الجامعي الأمر الذي لن يتم من بعد كما كنت أشتهي.
كان ملف الضاحية الجنوبية من النوع الذي تنشره من دون أن تدري أنك بصدد تفجير حقل ألغام ستكون أنت والصحيفة أول ضحاياه. بدأ هذا الشعور ينتابني منذ نشرنا الحلقة الخامسة. لاحظت ذلك عدة مرات وفي إحداها عندما كنت في سيارة عمومية وكان المنشور حديث الركاب. بعد أيام لمحت دورية للجيش اللبناني غير معهودة بالقرب من منزلنا وفي نهاية الحلقات إستدعيت إلى الأمن العام اللبناني لأسباب سياسية وللتحقيق معي بمناسبة تجديد جواز سفري.
وقبل نشر الحلقة الأخيرة من الملف، ضغطت السلطات الرسمية باتجاه أن نلتقي بالجنرال محمود طي أبو ضرغم رئيس ما كان يعرف في حينه “لجنة إنماء الضاحية” المكلفة تفكيك الكتلة السكانية بذريعة التنمية ومكافحة الأرهاب.
إتصل بي الأستاذ طلال هاتفياً وطلب أن نلتقي في مقر اللجنة مع الجنرال المذكور. قلتُ لهُ ما فائدة أن أكون معكم؟ قال ساخراً «أنت الكل بالكل عم تعمل حالك ما بتعرف». قبلتُ على أن أخترع حجة للتخلف في اليوم التالي.. وهذا ما حصل. كنت خائفاً من أن يتم اعتقالي في مدينة ارتكبت فيها مجازر صبرا وشاتيلا قبل عام واحد فضلاً عن أعمال خطف شبه يومية ليساريين ومعارضين. تخلّفت عن الموعد ظناً مني أن الأمر سينتهي عند هذا الحد.
في اليوم التالي إتصل بي الأستاذ طلال ممتعضاً هذه المرة فقلت له إن إبنتي الطفلة حرقت يدها بركوة القهوة. قال لي متهكماً.. «بعد غد سنمر عليك أنا وباسم السبع للقاء لجنة إنماء الضاحية. يريدون تكذيب ما نشرت وعليك ان تواجههم. هذه المرة دعْ ركوة القهوة بعيداً عن ابنتك».
التقينا في مبنى اللجنة وسط ما يشبه الإستنفار العسكري. كنتُ إلى جانب الأستاذ طلال وباسم السبع وغاصب المختار. فور جلوسنا على الطاولة سأل ملازم أول في مخابرات الجيش من هو فيصل جلول فقال طلال مازحاً “هذا هو أمامكم”. التقط لي الضابط (أ.ح) أكثر من عشرين صورة وأخبرني بعد ربع قرن تفاصيل عن خلفية اللقاء بعد تقاعده برتبة جنرال.
ما كنت أعتقد أنني سأخرج حياً من اللقاء. في طريق العودة، طلب مني الأستاذ طلال أن أعد تفاصيل اللقاء للنشر في أقرب وقت وأن أختار عنواناً هادئاً بيد أن السلطة ما كان يرضيها الهدوء. كانت تريد أن نُكذّب أنفسنا وأن ننفي وقائعنا (في الصورة أعلاه من اليمين الوزراء مروة والبساط وخوري والزملاء غاصب المختار وطلال سلمان وباسم السبع وفيصل جلول وياسر نعمة).
صادرت السلطات اللبنانية جواز سفري فتواريت عن الأنظار ثم نظمت محاولة لاغتيال طلال سلمان نجا منها بأعجوبة. في مستشفى الجامعة الأمريكية ببيروت التقيته منفرداً بعد العملية الجراحية التي أجريت له وخاطبني بابتسامته الساخرة والودودة «هذه نتائج أعمالك». نصحته بأن يُغادر قليلاً للراحة خارج لبنان فقال محتداً «فشروا. هذا بلدنا لا نهرب منه ولن نتركه لهم».
سيخبرني زملاء كثيرون في السنوات الأخيرة أن الأستاذ طلال كان في إجتماعات مجلس التحرير، قبيل إقفال “السفير”، كان يُردّد أمام الزملاء في قسم التحقيقات: إن كنتم تريدون ممارسة مهنة الصحافة يجب أن تطلعوا على ملف “الضاحية الجنوبية.. ربع الوطن” للصحافي فيصل جلول وملف “نهر الليطاني من المنبع إلى المصب” للصحافي الياس عبود.
***
اللقاء الرابع في باريس ربما عام 1985 التقيت بالأستاذ طلال سلمان في باريس التي انتقلت اليها بعيداً عن نظام 17 أيار/مايو. أعجبه ملف المقاومة التعددية الذي نشرته في مجلة “اليوم السابع”. نصحته بتأسيس مجلة أسبوعية في فرنسا وقلت له أنني سأكون سعيداً للعمل فيها. راقت له الفكرة وطلب أن نتحدث بتفاصيلها في زيارته المقبلة إلى باريس ثم طلب مني أن أستكتب شخصيات عربية وأجنبية لصفحات الرأي في “السفير”، ووقّع لي شيكاً لتغطية الإستكتابات من دون أن يُحدّد لي بدلاً شهرياً. عاد في أواخر العام نفسه أو ربما في مطلع العام 1986. لم يناقش فكرة إنشاء المجلة الأسبوعية وأصرّ عليّ أن أواصل الاستكتابات وأن أكلّف أحداً لتصوير وثائق وزارة الخارجية الفرنسية الخاصة بلبنان لإستخدامها في أرشيف “السفير”. تم ذلك بعناية الدكتور محمد طي.
بعد ذلك، غاب الأستاذ طلال شهوراً طويلة عن باريس ومضت سنوات بدا لي من خلالها أنه صرف النظر عن مشروع المجلة الأسبوعية وما عاد مهتماً بمشروع الاستكتابات ناهيك عن أنه بدا ممتعضاً إلى حد كبير من مقال انتقامي كتبته في “السفير” باسم مستعار ينطوي على نقد لفنان لبناني يُحبّه، فكان أن أتاح له نصف صفحة في “السفير” للرد على ما كتبته. عرفَ من خلال الصديق سامي كليب مراسل الصحيفة في فرنسا أنني كاتب المقال. سيكون لهذا المقال أثر سيء على تواصلنا لاحقاً. ثم إزداد إمتعاضه بعد خروج الصديق جهاد الزين من “السفير” الى صحيفة “النهار” واطلالاتي معه في صفحات الرأي.
***
اللقاءات الخامس والسادس والسابع والثامن في تواريخ مختلفة في التسعينيات الماضية ومطالع الألفية الثالثة كانت معظمها خاطفة في جريدة “السفير”.
الخامس كان في مكتب جوزيف سماحة بعد عودته إلى الجريدة. دخل الأستاذ طلال إلى المكتب وسألني عما لاحظته في “السفير” بعد طول غياب، فحدّثتهُ عن تغيير بعض الصفحات وعن أقلام جديدة فقاطعني قائلاً “لم ترَ الشيء الأهم”. قلت ما هو؟ أجابني متبسماً “ألم تلاحظ أننا طرشنا مبنى الجريدة لكي نستقبل صاحبك ولكي يليق به المبنى»، وأضاف «وسنُزفّت الطريق نحو المدخل وسنضع عوازل للضجيج الخارجي. كل ذلك وصاحبك مش راضي»، في إشارة إلى جوزيف الذي هزّ رأسه خجلاً مع إبتسامة ماكرة. بعد ذلك، دعانا للقاء في مكتبه مع منى جمال عبد الناصر. كان الأستاذ طلال مسحوراً بهذه السيدة ليس لنفسها وإنما لكونها من إرث عبد الناصر ولم يبدِ إمتعاضاً من إصرارها على تطعيم حديثها بعبارات ومصطلحات أجنبية في حين كنا جوزيف وأنا نمتعض من أولادنا عندما يرتكبون أخطاء بالعربية خلال إقامتنا في فرنسا.
في اللقاء السادس تحدثنا مطولاً عن العشرية السوداء في الجزائر وكان حريصاً على معرفة تفاصيل لقاءات أجريتها مع القوى السياسية الجزائرية وتقديري للموقف في الجزائر.
في اللقاء السابع تحدثنا طويلاً عن اليمن وكان يخشى انهيار الوحدة اليمنية.
في اللقاء االثامن مازحني مُعلقاً على كتابي «الجندي المستعرب» الذي نشرت “السفير” عرضاً له «شو صاير خبير عسكري كمان». لعلّ التمييز الذي حرصت على تبيانه بين المستشرقين حول قضايا العرب لم يرقْ له.
***
اللقاء التاسع عام 2006
كنت في صنعاء على هامش العيد الوطني. سألني الرئيس الراحل علي عبدالله صالح إن كنتُ سأعود إلى بيروت، فقلت له إنني مع الأسف عائد إلى باريس. طلب من مساعده أن يُغيّر وجهة سفري إلى بيروت، وأشار إليّ أن أقترب منه كي لا يسمعنا أحد. حمّلني عتاباً للأستاذ طلال سلمان وطلب مني أن اعود بجواب منه إلى صنعاء.
التقيت الأستاذ طلال في بيروت ونقلت إليه مضمون الرسالة. بدا مستغرباً وكأن في الأمر سوء تفاهم. نصحته بالسفر إلى صنعاء تلبية لدعوة من الحكومة اليمنية، وهذا ما حصل من دون أن أعرف من بعد ماذا دار بين الطرفين لا من الأستاذ طلال ولا من الرئيس اليمني.
***
اللقاء العاشر أواخر عام 2016
حزنتُ جرّاء الأنباء المتواترة عن إقفال جريدة “السفير” في نهاية العام 2016. اتصلت بالأستاذ طلال فحدّد لي موعداً قبل ظهر اليوم التالي وفاجأني بالقول إن باسم السبع سينضم إلينا. كان السبع قد انقطع عن زيارة “السفير” لسنوات طويلة. تفاصيل الجلسة تركّزت على ظروف المهنة الصعبة وغياب الدور الوطني لإنقاذ وسائل التعبير الأساسية في البلاد، «فلو كانت لوموند الفرنسية ستقفل لتدخلت السلطات الفرنسية لإنقاذها»، قلت يومها.
بقيت مع الأستاذ طلال بعد خروج باسم السبع فطلب مني أن أكتب نصاً للعدد الأخير. كنت أظن أنني سأكون واحداً من بين آخرين لكنني فوجئت أن كثيرين غابوا عن المشاركة فيه. تأخرتُ قليلاً في تسليم المقال فاتصل بي يستعجلني. كتبت نصاً طويلاً وعنونته بعبارة «طلال سلمان امتداد للسفير بوسائل أخرى». كانت هذه الصحيفة في تقديري جبهة سياسية تدافع عن قضايا العرب في كل مكان وكان الأستاذ طلال امتداداً لها. ولعل تحريفي لعبارة كلاوزفيتز كان ينطوي على هذا المعنى لكن العنوان لم يرق لمحرر العدد فتولى تغييره مع اختصار حوالي ربع النص.
ما كان الموقف يسمح بالإحتجاج. كان عدد الصحيفة الأخير وكان الحزن يعم أروقتها. ثم أعدت نشر النص كاملاً في صفحتي الشخصية على “فايسبوك”.
***
اللقاء الأخير عام 2022
في صيف العام الماضي، أخبرتني الصديقة نوال الحوار أن الأستاذ طلال يمر بأزمة صحية سيئة. كان المؤتمر القومي العربي ينعقد في بيروت في ذلك الحين، فقررت أن أزور الأستاذ طلال رفقة مجموعة بارزة من المشاركين. اتفقت على موعد الزيارة مع الصديقة ديانا قوصان. كان معنا في اللقاء الوزير التونسي الأسبق فتحي بلحاج والأستاذ عبد القادر بن غرينة المرشح الجزائري الثاني في عدد الأصوات في الانتخابات الرئاسية الأخيرة والسفير السوداني السابق في بيروت محمد حسب الرسول والجنرال يحيى محمد عبدالله صالح رئيس أركان الأمن المركزي السابق في صنعاء.
بدا الأستاذ طلال في غاية السعادة في هذا اللقاء من دون أن يكف خلاله عن الإبتسام لافتاً انتباهي إلى وزني الزائد.
كانت عيناه تلمعان مستمعاً بكل جوارحه وبما تبقى من طاقته لأخبار وتقديرات من مشرق العالم العربي إلى مغربه.
كانت العروبة وكانت أحوال العرب كامنة في جوارح طلال سلمان حتى الرمق الأخير.
قرّرت أن أُحدّث الأستاذ طلال في لقائنا التالي عن تفاصيل ما دار في مكتب الأستاذ رياض طه قبل الحرب الأهلية اللبنانية وكم كان مُحقاً في إطلاق ضحكته الساخرة إزاء وصفي لناصريته بـ«البورجوازية الصغيرة». كنت أودُ أن أعبّر له إلى أي حد أدين لـ”سفيره” بما وصلت إليه. قبلها كنت صوتاً من الذين لا صوت لهم فصرت معها وقافلة كبيرة من الأصوات نعتز بما صنع طلال سلمان ونفتخر بأننا انطلقنا ذات يوم من جريدة “السفير”. جريدة «ابن الدركي» الذي سار على خطى «ابن البوسطجي» جمال عبدالناصر.
نشرت في موقع 180 بوست