مع اوائل حزيران 1982 اجتاحت قوات العدو الاسرائيلي لبنان وصولاً إلى عاصمته بيروت، وعجز الجيش عن وقفها وصدها ولو عن القصر الجمهوري في بعبدا.
في ظل السيطرة الاسرائيلية وبمساعدة مدفعيتها والمظليين نفذت عصابات مسلحة لبنانية تحمل شعار “القوات اللبنانية” واحدة من افظع المجازر في التاريخ الحديث كان ضحاياها من النساء والعجائز والاطفال في منطقة صبرا وشاتيلا.. وجثث من كان قد تبقى من المقاتلين الفلسطينيين.
في ظل هذا الاجتياح تم اجلاء رجال المقاومة الفلسطينية بزعامة ياسر عرفات وجورج حبش واحمد جبريل عن لبنان، في بواخر استقدمت خصيصا بوساطة اميركية إلى تونس..
تضعضعت قوى الحركة الوطنية، خصوصاً مع انسحاب الجيش السوري من معظم المناطق التي كان يتواجد فيها، وبعدما سجل جنوده وضباطه بسالة تليق بشرف السلاح في البقاع الغربي (السلطان يعقوب) والجبل (عين داره) فضلاً عن خلده (مع المقاتلين اللبنانيين) الخ..
في ظل هذه الهزيمة المدوية تم “انتخاب” بشير الجميل، قائد “القوات اللبنانية” والحليف المعلن لإسرائيل، خصوصاً وانه زارها أكثر من مرة، احياناً برفقة والده الشيخ بيار الجميل (رئيس حزب الكتائب) والرئيس الاسبق كميل شمعون، وفي بعض المرات وحده مع مستشاريه ومرافقيه.
المهم تم تجميع النواب، بالسيف والدينار، واستدعي بعضهم من الخارج البعيد وعبر محطات على الطريق لرفع التسعيرة، واحتجز عدد آخرين من النواب في “معتقلات آمنة” لتأمين النصاب. وهكذا “انتخب بشير الجميل رئيسا للجمهورية، في ظل حراسة اسرائيلية مشددة لثكنة الجيش اللبناني في الفياضية، بالقوة”.
بعد أيام قليلة تم اغتيال بشير الجميل في 14 ايلول العام 1982 في مكتب لحزبه عند تقاطع الناصرة مع الاشرفية.. وكان ابطال هذه العملية من الحزب السوري القومي.
ومن باب “التعويض” على الأسرة، تم انتخاب شقيقه الاكبر امين الجميل في 22 ايلول 1982 بديلاً منه في رئاسة الجمهورية بثمن باهظ هو: اتفاق 17 ايار مع العدو الاسرائيلي.
وكان طبيعياً أن ترفض الاكثرية الساحقة من اللبنانيين هذا “الاتفاق” مع العدو الاسرائيلي المفروض بقوة السلاح.. وان يباشر المجاهدون مقاومة هذا المحتل حيث كانت قواته ما تزال تتواجد تحت غطاء من سلاح الجو، في الجنوب والبقاع الغربي..
شاركت في العمليات ضد الاحتلال فصائل مقاتلة من الحزب الشيوعي والحزب القومي وبعض المناضلين القدامى في حزب البعث او حركة القوميين العرب.. ثم انضم إليهم “مجاهدون” من تنظيم حسن التدريب سيدعى مستقبلاً “حزب الله”.
ولسوف تستمر هذه المقاومة تطارد قواعد جيش الاحتلال وتقتل عسكره، دافعة اثمانا مطهرة من الشهداء، حتى 25 ايار 2000، حيث “هربت” كتائب جنود الاحتلال المعززة بالمدفعية والدبابات والطيران، ليعيش الشعب في لبنان الفرح بالجلاء وليصير له من ذلك اليوم في كل عام عيداً وطنياً مضرجاً بدم الشهداء.
بعد ستة اعوام وشهرين، سيشن العدو الاسرائيلي حرباً طاحنة على لبنان ومقاومته شملت بحره وسماءه وأرضه.. وسيكون على الشعب في لبنان، بعاصمته بيروت وضاحيتها الجنوبية خصوصاً، وبعض البقاع وبعض الجبل، والطرقات العامة لا سيما تلك التي تربط لبنان بسوريا، سواء من الشرق ام من الشمال، أن يصمد متحملاً الخسائر في الارواح (لا سيما العجائز من الصامدين الذين رفضوا مغادرة بيوتهم المعرضة للتدمير) والممتلكات بيوتا ومصانع ومصادر رزق كالمحلات التجارية والمقاهي والفنادق الخ..
امتدت حرب التدمير والقتل الاعمى براً وبحرا وجواً، لمدة 33 يوماً (12 تموز ـ 14 اب 2006).. وانتهت بانتصار مؤزر للمقاومة ومجاهديه بل للشعب اللبناني الذي صمد واحتضن المقاومة وضحايا الغارات الاسرائيلية، والنازحين من الجنوب والضاحية.. اذ فتح الاهالي بيوتهم في الجبل والبقاع وبعض بيروت بحدائقها العامة وبعض مرافقها الحكومية، لإيواء المهدمة منازلهم والذين تشردوا بلا مأوى ولا مغيب الا اهلهم في لبنان..
كما فتح السوريون الحدود في دمشق والمناطق المحاذية لحدود لبنان، قلوبهم وبيوتهم والفنادق وبيوت الضيافة لاستضافة اخوانهم اللبنانيين واكرامهم والتخفيف عنهم كشركاء في المصير.
أما الرسميون العرب فقد قَدِم معظمهم عن طريق القاهرة او عمان وبأذون اسرائيلية، فتلاقوا لساعات ثم انفض جمعهم ليصدروا ـ ليلاً ـ ومن القاهرة بيانا تافها، تجنبوا فيه ذكر المقاومة، واكتفوا بالترحم على الشهداء وطلب الشفاء العاجل للجرحى..
لكن ذلك النصر المخضب كان بداية جدية حررها لبنان باسم المقاومة الوطنية القومية العربية الشاملة للحرب الاسرائيلية ـ الاميركية على الامة جميعاً.
وصار للبطولة في لبنان من اجل تحرير الوطن وانسانه أسماء مجللة بالشهادة يختصرها اسم القائد المجاهد حسن نصرالله.