سينام اللبنانيون، ولا سيما الاستقلاليون منهم، الليلة ملء جفونهم: لقد باتت قضيتنا في أيد أمينة، وها هي الآن أمام أصحاب القرار وفي مركز القرار، وإلا فلماذا تجشم الرئيس الفرنسي عناء السفر إلى واشنطن للقاء صديقه الكبير ومثله الأعلى جورج بوش في واشنطن؟!
إن هذه الرحلة تدشن عهداً جديداً من العلاقات بين أعرق ديموقراطيتين في العالم، إذ تحل فرنسا ساركوزي وإدارته الثورية محل بريطانيا العجوز وطوني بلير في موقع بيت الخبرة والمستشار المحلف للإدارة الأميركية، ليس فقط في ما يتصل بأوروبا الجديدة، بل بكل ما يتصل بشؤون الشرق الأوسط الذي يشكّل لبنان ملخصه ، بتعقيداته وتركيبته البشرية: منبت الإرهاب والإرهابيين، والأرض الحبلى بالمفاجآت والمستعصية على التقدم في اتجاه العصر، والمعادية للديموقراطية ولو اتخذت من الفوضى البناءة شعاراً لها.
وفي نظر الاستقلاليين الذين يرون في لبنان مركز الكون ، فمن المؤكد أن الرئيسين القائدين سيفتيان وفتواهما لا تقبل النقض أو المراجعة في شأن الأكثرية اللازمة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية وهل من الضروري أن تكون بثلثي عدد النواب أو بمن حضر أو أُحضر منهم. وأي دستور سيقوى على الصمود أمام قرار هذين الرئيسين المهابين؟!
ستنتهي فترة المراوحة، إذن، وستطوى المبادرات جميعاً، بالحكم الصارم الذي سيصدره الرئيسان وفيه تحديد قاطع لموعد الاقتراع ومكانه وحضوره وشخص صاحب الحظ السعيد في تسنم الموقع الفخم، وربما حكومة العهد الجديد أيضاً ونسب تمثيل الكتل النيابية فيها.
يمكن للبطريرك الماروني أن يرتاح ويريح مطارنته المخلصين، فلسوف يجنّبهم الرئيسان الجليلان شرب هذه الكأس الرئاسية الطافحة بالشهوات والرغبات والكيديات ونزعة الانتقام، سواء من الماضي أم من الحاضر أم من المستقبل..
ويمكن لرئيس المجلس النيابي أن يخلد إلى الراحة بعدما تعب وأتعب الوسطاء وأصحاب مساعي الخير، من العرب العاربة والمستعربة، فضلاً عن المبعوثين والموفدين الدوليين، إضافة إلى السفراء الذين صار يناديهم من يقدم إليهم الضيافة بأسمائهم الأولى، بعد أن بات يعرف مزاج كل منهم، ومن يميل إلى القهوة العربية ومن يفضل الشاي ومن يرغب في الزنجبيل؟!
لقد دقت ساعة الحقيقة، وها هو لبنان فوق قمة القمم، واسم رئيسه الشغل الشاغل للإدارة الكونية، ولسوف يشترك المحافظون الجدد من أهل الإدارة الأميركية، برغم تناقص أعدادهم وذبول نفوذهم، مع المحافظين الجدد من الفرنسيين الذين انتقاهم الرئيس ساركوزي من الأحزاب جميعاً، يسارها واليمين، فاصطفاهم وقرّبهم وجعلهم في مجلسه.
أي مجد للبنان أرفع من أن تسمي رئيسه المرجعية الكونية الأعظم؟ وأي قيمة فعلية تبقى للدستور ونصوصه الجامدة، حمّالة الأوجه، وللنواب وأعداد أصواتهم، إذا ما صدر القرار في مركز القرار؟
أليس ذلك أجدى وأكرم من أن يتلاقى نفر من القيادات المعظمة في لبنان فيتوافقوا على رئيس طبيعي وحكومة طبيعية تُسقط الاستثناء والخروج على القواعد، دستورية وشرعية وعرفية، وتعود بالبلاد وشعبها إلى علة وجودها واستقرارها: الوحدة الوطنية؟!
أقيموا الزينات، إذن، لرئيس مهجّن يأتينا من واشنطن على حصان فرنسي يسير في ركابه العرب ويهتف له اللبنانيون: مبارك الآتي لإعادة بناء الجمهورية التي هدمها قادتها وجعلوها أثراً بعد عين، يختلف أهلها على البديهيات وثوابت اليقين كمثل الدستور والشرعية والديموقراطية وحتمية الوحدة الوطنية لبقاء الكيان.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان