أعطى الحلف التركي الإسرائيلي »ثماره« باسرع مما كان مقدراً او متوقعاً!
فها هو الرئيس التركي سليمان ديميريل يستعير لغة رئيس حكومة التطرف الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليعلن هو الآخر الحرب على سوريا!
تكاد التعابير تكون هي ذاتها: »اننا نحتفظ لأنفسنا بحق الرد على سوريا التي لا تتراجع عن موقفها العدائي بالرغم من مبادراتنا السلمية وتحذيراتنا المتكررة«.
».. وأنا أعلن أمام الأسرة الدولية ان صبرنا قد نفد«
»ان جميع التدابير اللازمة ستتخذ إزاء سوريا، إذا دعت الحاجة«
»لكن للصبر حدوداً، وبعدها ستلعب تركيا اللعبة وفق قوانينها«.
أما بيان المجلس القومي التركي فقد أشار إلى أن »التدابير التي يجب اتخاذها في هذا الصدد وضعت على بساط البحث«.
لماذا يستعير ديميريل لغة نتنياهو، ولماذا يحاول سحب تركيا إلى أبعد مما وصلت إسرائيل في عدائها للعرب عموماً وسوريا على وجه الخصوص؟!
لماذا يزاحم ديميريل نتنياهو على موقع »العدو القومي« للعرب مجتمعين، وسوريا في هذا المجال طليعتهم وقلعة صمودهم؟!
لماذا يلبس سليمان ديميريل ثياب الحرب بينما سوريا لا تفتأ تعمل وتدعو اخوانها العرب لمحاورة تركيا، والاصرار على التفاهم معها وتجاوز الاشكالات (او الاوهام) القائمة بالاتصالات المباشرة، وتمتنع عن ادانتها او التشهير بها، وتكلف جامعة الدول العربية ان تتوسط لإزالة سوء التفاهم وإعادة الصفاء إلى العلاقات بين البلدين الجارين واللذين يجمعهما الدين والجوار وبعض التاريخ المشترك؟!
لماذا هذا الاصرار على العداء، واثارة رياح الحرب؟!
ولماذا بهذا التوقيت بالذات؟!
ولماذا وقد تهاوت، تقريباً، وحسب ما تقول أنقره، قدرات حزب العمال الكردستاني، واستسلم بعض قادته، وتوقفت او تراجعت معدلات عملياته في الفترة الأخيرة، مما يُسقط هذه الذريعة التي طالما استخدمتها تركيا لاطلاق التهديدات ضد سوريا، بوصفها ملجأ عبد الله أوجلان ومنطلق عمليات مقاتليه؟!
لم يحدث في الشهور الأخيرة »عسكرياً« ما يبرر تصاعد الحدة في الخطاب التركي،
أما سياسياً فان الجهد السوري ظل منصباً على طلب الحوار مع تركيا والاصرار عليه مع تجاوز الحملات الاعلامية والتحرشات اضافة إلى التهديدات العسكرية..
آخر الامثلة على الحرص السوري على حل الاشكالات بالحوار، ان وزير خارجية سوريا قد تحاشى في خطابه أمام الأمم المتحدة، التشهير بالحلف التركي الاسرائيلي، برغم ان دمشق تعاملت معه كعمل عدائي يستهدفها مباشرة في أمنها القومي وسلامة أراضيها،
والمؤكد ان سوريا تحاول، بكل طاقتها، لجم الاندفاعة التركية غير المبررة نحو اسرائيل، وتسعى بجهدها كله لتحسين العلاقات مع انقرة، مهما كانت تحفظاتها على طبيعة القوى الحاكمة في انقرة، فذلك شأن داخلي يقرر فيه الاتراك أنفسهم.
مع ذلك كله فإن ثمة في انقرة من لا يفتأ ينفخ في نار الحرب ضد سوريا،
اذن فلا بد من البحث عن الاسباب الفعلية لاشاعة هذا الجو الحربي اما في قلب دست الحكم في انقرة، واما في قلب تل ابيب وفي خطط حكومة التطرف فيها بقيادة بنيامين نتنياهو؟!
لا يتعب المراقب كثيراً في التعرف الى حجم المشكلات السياسية والاقتصادية المعقدة التي تواجه الحكم التركي الحالي.
انه حكم يخوض اكثر من حرب اهلية داخلية، وعلى اكثر من جبهة،
وهذا الحكم »المدني« شكلا ليس أكثر من واجهة للعسكر الذين يهيمنون على القرار في انقرة، سواء ما يتصل منه بالسياسة الداخلية أم بالسياسة الخارجية.
انه حكم يقوم بقوة الحراب خلافاً لارادة الاكثرية من الاتراك التي اعطت أصواتها في الانتخابات، النيابية كما البلدية، لقوة اكثر انسجاما مع طبيعتها ومع قيمها الاسلامية ومع مصالحها،
وهذا الحكم لا يقاتل فقط ضد بعض الاقليات المضطهدة (الاكراد، مثلا)،
بل انه حكم يقاتل ضد اكثرية الاكثرية من شعبه التركي اصلا وفصلا، وصولا الى العرق نفسه.
ابسط تفسير لمحاولة تحويل انظار الاتراك المثقلين بهمومهم المعيشية، والمحرومين من ممارسة ما يؤمنون به بحرية، ان الحكم يهرب الى الامام.
انه يهرب من حربه المفتوحة داخليا ضد قوى شعبية وصلت بالانتخابات الى سدة الحكم، بفتح جبهة خارجية لحرب تفتقد المبررات والاسباب الجدية، بل وحتى الذرائع الشكلية.
ولعله قد اختار هذا التوقيت بالذات لمساندة حليفه الصهيوني الاكثر تطرفا بنيامين نتنياهو في سعيه الدؤوب لتذويب ما تبقى من فلسطين، أرضاً وشعباً وقضية،
ولعله يقدم مبادرته الخاصة »لمساندة« الرئيس الاميركي بيل كلينتون في طي ملف الفضائح الجنسية، بتوفير قضية ملتهبة تتطلب جهده وعنايته »كسيد للكون« كامل الأهلية.
إنها حرب إسرائيلية بلسان تركي.
وهي حرب ضد العرب جميعا، وليست ضد سوريا فحسب،
فسوريا في مواجهة هذا الخطر الثنائي المصدر هي العرب، كل العرب.
ولقد سبق ان عاش العرب مع سوريا مثل هذه الحرب المفتعلة والتي ليس لها ما يبررها،
فقبل واحد واربعين عاما (وبالتحديد في العام 1957)، ونتيجة لاندفاع الحكم التركي آنذاك الى الارتباط بالأحلاف الغربية التي رأى فيها العرب تعزيزا وحماية لإسرائيل على حسابهم، ومحاولة لاستعادتهم الى حظيرة الاستعمار، حشدت تركيا جيوشها على حدود سوريا وزادت من تحرشها بها، مفترضة ان دمشق معزولة إذ كانت بغداد نوري السعيد عاصمة لبعض تلك الأحلاف، ومن خلفها النظام الأردني (وهو الأعرق في العلاقة مع إسرائيل).
كانت إسرائيل تذكي جو الحرب، وتحرض الأتراك على مدار الساعة،
لكن العرب لم يترددوا في نجدة سوريا، وكان القرار التاريخي للقائد العربي العظيم جمال عبد الناصر بتعزيز الصمود السوري بقوات نقلت على وجه السرعة من مصر، لتواجه الحشد التركي، معلنة انها ستكون حربا ضد العرب جميعا وليس ضد دمشق فحسب،
ومع أن العرب اليوم ليسوا في أحسن حال، إلا أنهم سيقفون الى جانب سوريا، يصدون معها وعنها الاعتداء،
ومؤكد ان العرب يملكون ما يوقفون به الاعتداء التركي الجديد، خصوصا وانهم مرة أخرى في موقف الدفاع،
ومؤكد ان الأتراك لن يخضعوا طويلا لحكم نتنياهو، مهما كانت ادعاءات الحكم الضعيف والمسيَّر بالأمر العسكري لجنرالات أنقرة الذين لم يعرف عنهم »حب الشعب« التركي، أو تحقيق طموحاته وأمانيه في علاقات أخوية مع العرب والمسلمين عموما،
وستبقى إسرائيل هي العدو القومي للعرب،
ولعل تركيا ستكتشف ذات يوم ان إسرائيل عدوها أيضا بالمقدار نفسه!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان