كلما توهم الحكام العرب ان المؤسسة الحاكمة في اسرائيل اتجاهات وتيارات فيها »اليسار« و»اليمين«، فيها »المتطرف« و»المعتدل«، فيها »الصقور« و»الحمائم«، فاجأهم رموز هذه المؤسسة بأنهم في الجوهري من الامور متشابهون الى حد التطابق ومتماثلون الى حد التوحد في الموقف… وان اختلف الاسلوب، احيانا!.
وكلما توهم المواطن العربي ان حكامه المتماثلين في ممارساتهم الداخلية والمتطابقين في سياساتهم الخارجية قد »يتحدون« او يتقاربون او ينسقون مواقفهم من اسرائيل، فجعه هؤلاء الحكام بأن واحدهم مستعد للتنسيق مع الاسرائيليين، او حتى للتواطؤ معهم على »اخوانه«، مع علمه بأن مثل هذا التصرف سيتسبب في مزيد من الخسائر للجميع، من دون ان يحقق له اي ربح!.
منذ سنتين ونصف السنة والعرب يدفعون »فاتورة« رحيل اسحق شامير ومجيء اسحق رابين!
سرحوا مع الاوهام فافترضوا ان الاميركيين قطعوا رأس »التطرف« الاسرائيلي، بسيف عربي، ليحملوا الى الحكم »بطل السلام« القادم وفي يده غصن زيتون وطلب انتساب الى الجامعة العربية وقرار بالانسحاب الكامل الشامل من كل الارض العربية المحتلة.
واخذهم سوء التقدير والخطأ في الحساب الى الافتراض ان رابين سيرد لهم الجميل بأحسن منه: ألم يعطوه »اصواتهم« في الانتخابات؟! ألم يلبوا مطالبه جميعا حتى لا تحرجه المعارضه، خارج حزبه او داخله؟! ألم يتنازلوا وتنازلوا وتنازلوا فبات الاسرائيليون يفاوضون أنفسهم، كما قال شيمون بيريز، ويتوافقون في ما بينهم ثم يجيئون بالطرف »العربي« الى الاحتفال بالتوقيع الجديد على الاتفاق (الذاتي) القديم؟!
بعد اتفاقين ومسلسل من الملاحق لا ينتهي، ها هو اسحق رابين مهدد في »زعامته«، وها هو حزب العمل (الاشتراكي؟!) يترنح ويكاد يتهاوى مفسحا في الطريق لعودة »الليكود« الى الحكم، اذا ما صدقنا استطلاعات الرأي المنظمة اسرائيليا واميركيا؟!.
لم تنفع التنازلات العربية في انهاء »التطرف« الاسرائيلي، بل هي زادت من حدته.
ضاع »التفريط« هباء، وظل اسحق رابين »العمالي« يحكم بأسلوب »ليكودي«!.
لم يحجب التفريط الدم الفلسطيني (او اللبناني).
وقصرت التنازلات عن استعادة الارض المحتلة (بما فيها تلك الكيلومترات الاردنية القليلة)… حتى »الليلة الملكية« في العقبة لم تخفف من غلواء قيادة »الاعتدال« الاسرائيلي، اللهم في استبدال تعبير »احتلال« بتعبير »استئجار« طويل الامد!.
لم تنفع اتفاقات الليل، بكل ما اخذته من اصحاب الحق (الفلسطيني ثم الاردني) واعطته للمحتل الاسرائيلي، في وقف بناء المستوطنات، بل لعلها اغرت المستوطنين بارتكاب واحد من ابشع المذابح، وداخل احد اقدس الامكنة، في الحرم الابراهيمي بالخليل، ثم ها هم يندفعون الى بناء المزيد من المستوطنات فوق جثث المزيد من الضحايا اهالي الارض في الضفة الغربية المحتلة.
ليس التفريط طريقا سالكا الى السلام.
لقد قدم الفلسطينيون والاردنيون (والاميركيون من قبلهم) الى رابين اكثر مما كان يطلب. لكن التطرف الاسرائيلي يطلب بلا حدود، ويرفض الاعتراف بالحد الادنى من الحقوق لاصحابها.
هل قدم »العرب« كل تلك التضحيات المجانية من اجل عودة الليكود الى الحكم؟!.
وهل يستطيع الفقهاء العرب في السياسة الاسرائيلية ان يحددوا الفروق بين »الاسحاقين«، خصوصا وان ايدي كليهما مخضبة بالدم العربي ذاته؟!
والخلاصة اننا اضعنا معظم فلسطين من اجل الاتيان »بالاعتدال الاسرائيلي« الى الحكم، وها نحن الآن مهددون بأن ندفع ما تبقى من اجل اخراجه من الحكم واعادة اصحاب الحق الشرعي من »المتطرفين الاسرائيليين« اليه.
أليس لدى حكام العرب لعبة اكثر تسلية واقل كلفة، في الارض والدم والمصير؟!
ام ترانا سندفع ثمن رابين مرة ثالثة؟!.
طلال سلمان
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
What's Hot
المقالات ذات الصلة
© 2025 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان