أما وقد ثبت شرعا ان النصر الذي حققه لبنان المقاوم لن يترك أي اثر، ولن يعدل سطرا، ولن يبدل حرفا من ثوابت »الديموقراطية المرة« التي تتحكم بالانتخابات النيابية، ترشيحا ولوائح ونتائج، فلنمد البصر الى ما حولنا ولنتدارس مدى تأثيره في معركة »أم المؤسسات« الدستورية، وحصن التشريع وحاضنة الارادة الشعبية والمعبر الاجباري للانتخابات الرئاسية المقبلة، أقله من حيث المبدأ..
بالمصادفة القدرية وحدها فإن التجسيد الحي للديموقراطية المرة عبر الانتخابات النيابية في لبنان يجيء هذه السنة متزامنا مع الذكرى العاشرة لاجتياح صدام حسين الكويت الذي توجته »أم المعارك« وهي التي أدت الى اعادة احتلال معظم أرض المشرق العربي، وعودة القوات الاجنبية للتمركز فيها، ومصادرة الارادة الوطنية (والثروة القومية؟!) واسترهانها لقرار من غدا بعد ذلك امبراطور الكون: الولايات المتحدة الاميركية، الحليف الاستراتيجي والحامي والراعي والحاضنة الدائمة لإسرائيل والممكّنة لهيمنتها على الحاضر العربي.
وبالمصادفة القدرية وحدها فإن التجسيد الحي للديموقراطية المرة عبر الانتخابات النيابية في لبنان يجيء متزامنا مع »فشل« المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية في كامب ديفيد، بالرعاية الاميركية، وهي المفاوضات التي يفترض بعض السذج وأصحاب الغرض ان تختم على ما أنتجته اتفاقات اوسلو بوصفها الحل النهائي لصراع يبدأ به تاريخ هذه المنطقة ولكنه يحكم مسيرته، حاليا، وهو لن ينتهي إلا بحسمه لصالح ابناء هذه الأرض، مهما طال الزمن ومهما تراكمت التواقيع فوق اتفاقات الاذعان المنفردة.
وبالمصادفة القدرية وحدها ولأن الاتفاق يذكر بالاتفاق، فإن الديموقراطية المرة التي تضبط ايقاع الانتخابات النيابية في لبنان، قد طرحت ثمرة فجة اضافية تتمثل في عودة بطل اتفاق 17 أيار (1983)، الذي سبق اتفاق اوسلو بعشر سنوات، والذي أسقطه لبنان المقاوم، آنذاك، بالاستناد الى الحلفاء ذاتهم الذين شاركوه في صنع النصر الجديد بعد 17 عاما بالضبط من موعد اسقاط اتفاق الاذعان ذاك… ولولا شيء من التهيب لادعى هذا الذي نفته »إنجازاته« المكلفة، دماءً وشهداء وأموالاً ومدناً وبلدات وبنى تحتية الخ، انه إنما عاد من »مهجره« الفخم ليحتفل بعيد النصر والمقاومة.
ما علينا لنتطلع الى أمام، الى آفاق الديموقراطية المرة كما تبشرنا بها المساجلات »الفكرية« التي دخلت فيها الحكومة طرفا مباشرا، (وأبرز رجالاتها من المرشحين بل من زعماء اللوائح)، فجاءت بشهادات من رؤساء البلديات وأصحاب اللوحات الاعلانية مصدقة من المخاتير تشهد لها بالحيدة والنزاهة والعدالة في لصق الصور ونزعها، وكفى بهذا دليلا على حياد السلطة المطلق بين هؤلاء المتقدمين الى شرف خدمة الشعب على قاعدة »كلهم أبنائي«.
هل لهذه المصادفات القدرية، وغيرها كثير، علاقة بغياب البرنامج الوطني للمرشحين، وغياب التحالف السياسي على قاعدة صلبة من التوافق على المبادئ البديهية والاهداف الملحة والمطالب المحقة للناس، كل الناس المطحونين بالضائقة المعيشية والركود الاقتصادي والذين يهربون من وطنهم بدافع اليأس منه الى حيث تتاح لهم فرصة لبيع عرق الجبين وتأمين عيش الكفاف لأبنائهم؟!
إن المساجلات تفضح طبيعة »الديموقراطية المرة« كما تكشف غربة معظم المشاركين فيها عن هموم الناس الفعلية.
إنها مساجلات خارج السياسة وخارج الهم الوطني بل وخارج الهم الشخصي للمواطن ومطلبه البسيط في تأمين فرصة عمل يقيه شر العوز، وشر الموت على باب المستشفى، وشر طرد ابنائه من المدرسة الخاصة الغالية الأقساط، لأن المدرسة الرسمية والجامعة الوطنية هي أقصر الطرق الى تعميم الأمية أو قصور التعليم وبعده عن العصر، ومن ثم الى البطالة المزينة بالشهادات!
هذا مع الاشارة الى ان أعدادا مخيفة من تلامذة المدرسة الرسمية لم يتمكنوا من دفع رسوم التسجيل، حتى بعد تقسيطها.. لضيق ذات اليد!!
أين هذا كله من مساجلات المرشحين الذين تجاوزوا، في العديد من الحالات، مواقفهم »المبدئية« المعلنة، وتحالفوا مع من كانوا يقسمون بأغلظ الأيمان إنهم خصومهم الى يوم الدين؟
صحيح انها تحالفات انتخابية، لن تدوم، وهي تجيء من خارج الموقف المبدئي، ولكن تهالكها الظاهر اليوم لا يبشر بكتل برلمانية ذات برنامج (أولي) يأخذ بالاعتبار الهموم الثقيلة للناخبين الذين سيخرجون من الذاكرة في اليوم التالي للاقتراع…
هل انتهى التاريخ السياسي للبنان بهذه الديموقراطية المرة، التي تعكس في بعض وجوهها النتائج البعيدة المدى لغزو الكويت وأم المعارك التي أنهت العراق وكادت تنهي التطلع العربي الى الحد الأدنى من استقلال الإرادة، والتي مكنت لإسرائيل هيمنتها شبه الكاملة على الوطن العربي؟!
… هذا بغير ان ننسى ان هذه الديموقراطية المرة هي، في بعض وجوهها، من الثمار المسمومة للحرب الأهلية التي ثبت شرعاً أن فعلها أعمق أثرا من نصر بهي وإنجاز تاريخي كمثل تحرير الأرض التي كان يحتلها الجيش الاسرائيلي الذي لا يقهر.
العقوبات ليس فقط على العراق، إنها تكاد أشبه بحكم بالتخلف المؤبد على الأمة كلها!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان