أما نحن في لبنان ففي شغل شاغل عن الانتخابات الإسرائيلية وعن الفوز المؤكد فيها »للبطل القومي« العجوز أرييل شارون، جنرال الاجتياح في العام 1982 ومهندس المجزرة في مخيمي صبرا وشاتيلا التي أودت بحياة ألفين وخمسمائة امرأة وطفل ورجل جلهم من الفلسطينيين ولكن بينهم نسبة ملحوظة من اللبنانيين إضافة إلى مجاميع من السوريين والأكراد الذين جاء بهم فقرهم إلى أجلهم.
نحن نصحو في بيروت وننام على خشيتنا من أن تهتز فتنكسر العلاقات الشخصية بين الرؤساء والكبراء والمرجعيات، دينية وسياسية، فتعطل أو تشل مجلس الوزراء، تارة بذريعة »أمينه العام« العتيد وطائفته طالبة التوازن، وطورا بسبب من التنصت والمطالبة بإفادة عادلة ومتساوية من نعمته، بحيث لا يكون امتيازاً لطائفة، أو احتكاراً لموقع من مواقع السلطة!
لا يكاد الناس ينعمون بيوم من راحة البال، ولا يكاد ينتظم »الحوار« برغم سيول »الثرثرة« التي تكاد تجرف الصحف والإذاعات ومحطات التلفزة لا سيما الفضائية منها،
ويفضحنا رئيس البنك الدولي حين يكشف أن قعر سفينتنا مثقوب، وأن سياستنا تكاد تذهب باقتصادنا، وأن أوضاعنا أخطر مما نقدر… ويكاد يتعذر علاجها!
لم يكن ينقصنا غير »خبرية« اختفاء عميد الطلاب في الجامعة الأميركية ببيروت دين كفلن، لكي نستشعر أننا على حافة العودة إلى »ليالي زمان« التي نجتهد لكي ننساها ولكي ننسي العالم ذكرها..
لكن هذه »الخبرية« بالذات كانت مثل تلك »الضارة النافعة«: ظهر الحق بسرعة، وزهق الباطل بأسرع مما قدرت دوائر الاستخبارات والخارجية الأميركية التي كانت تورطت فاتهمت وأدانت وكادت تباشر العمليات الانتقامية!
الآن هدأت الخواطر، وزالت الغمة، وانقشع ليل القلق واختفى شبح »العقوبات« واستعاد لبنان الرضا الأميركي واطمأن وطمأن العالم على أنه ما زال بلد الأمن والأمان والترفيه والمتعة إضافة إلى التسوّق:
فها هو »العميد« المسؤول عن الانضباط المسلكي للطلاب في واحدة من أهم الجامعات في لبنان، يستطيع تجاوز كل الأزمات المحلية، والمخاطر التي تتهدد المنطقة مع وصول شارون إلى سدة السلطة في إسرائيل، ويتابع حياته ممارساً مباذله ومتعه الشخصية وحريته الجنسية في هذه البيروت العجيبة التي تتسع لكل شيء!
ولعل بين ما يجبر بخاطر اللبنانيين أن »العميد« الذي اضطر إلى مغادرتهم إنما ترك بيروت وعاد إلى بلاده القلقة عليه وهو في حال من النشوة والاستمتاع، فقد شرب اللذائذ حتى الثمالة من دون أن يساوره همّ المساءلة على يد محقق خاص كما جرى لرئيسه السابق بيل كلينتون!
قد تبدو المسافة بعيدة بين »العميد« دين كفلن و»الجنرال« أرييل شارون، لكن لبنان كان ولعله ما زال مستهدفا بهما معا..
فغياب كفلن في »شهر عسل« قصير كاد يعرّض لبنان لحرب أميركية مفتوحة،
أما حضور شارون الذي يُراد لنا أن نرى في ماضيه صورة لمستقبلنا، فإنه لا يوصي إلا بجنون القتل الجماعي والكراهية والعنصرية المستقوية بالدعم الأميركي المفتوح، والذي تقول إسرائيل عبر اختياره إنها ضد بدعة »السلام« كائنة ما كانت أشكالها.
شارون هو الصورة الأصلية لإسرائيل 2001.
وليس عدلاً أن يرد دين كفلن »جميل« اللبنانيين عليه بمزيد من الضرائب يدفعها لأرييل شارون لكي يقتل أطفالنا وينسف بيوتنا والمدارس.
… فإذا دفع كفلن فسيدفع كثير من العرب، وسيفشل شهر التسوّق في لبنان!
هذا مع الإشارة إلى أن لبنان المقاوم قد أدلى بصوته، سلفاً، في الانتخابات الإسرائيلية، ففضح مرة أخرى طبيعة »الدولة« العنصرية القائمة على الاحتلال والتوسع، وليس فقط نمط »ديموقراطيتها« التي لا تنجب إلا سفاحي »الغوييم«… أي »الأغيار« وهم هنا العرب وبينهم اللبنانيون بطبيعة الحال!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان