كأن شيئاً لم يكن.
العرب، ليسوا ها هنا. البحث عنهم عبث. انتظارهم بلادة، التعويل على يقظتهم نوع من الخرف. باختصار، العرب ليسوا هنا. وهذا الكم المقدَّر بـ 300 مليون، لا يزن شيئاً.
يحدث أن الولايات المتحدة الاميركية، تهدي القدس لإسرائيل، توقع على أسرلة الجولان، على تدفيع السعودية مبالغ مليارية لحراستها العرش، تشن حرباً على اليمن، تنظم تحالفاً دولياً لغزوه، تحوِّل سوريا إلى مباراة من المجزر المتبادلة، تختطف نصف العراق، تمول الارهاب وتدعمه و”تحاربه” كذلك، تعد لصفقة العصر بلا فلسطين، تخرج من الاتفاق النووي الايراني، تفتح الطريق لنتنياهو إلى “العواصم” “الخليجية المطيعة”، تشطر العالم الاسلامي نصفين. نصف يأتمر بها بكل تعصبه، ونصف تشن عليه حصاراً وناراً. أما غزة المحاصرة والعنيدة، فعليها أن “تنعم” بالحرمان وان لا ترمي اسرائيليا ببالونات حرارية.
ويحدث أن يدخل بومبيو، وزير خارجية دولة العدوان العظمى، مدينة بيروت، فيسمع كلاماً وكلاماً مضاداً. يتوعد ويهدد، لكن لا أحد يخاف منه. بيروت ليست اية عاصمة من عواصم العرب، هي وحدها، بالدم المسفوك، المدينة التي لم تركع، ولم ترفع الرايات البيض، والتي هزمت اسرائيل مراراً. بيروت المنهكة بطبقتها السياسية الفاشلة والفاسدة، لا تزال فلسطينية جداً، وبقوة لا تقوى عليها اسرائيل ولا “ربها” الاميركي. المدينة العاصية، برغم كل ازماتها، تُخيف اسرائيل التي لا تخاف احداً من العرب الصغار جداً، والكبار جداً.
سمعت بيروت كلام بومبيو. صحيح أن تظاهرات لم تخرج احتجاجاً. كان ذلك يجب أن يحدث. عدم حدوثه نقص ولكنه ليس فضيحة. الجواب حضر من خلال قيادات سياسية، نشكوها دائماً، الا في هذه. جوابها واضح. لبنان، شئتم ام ابيتم، نصفه المقاوم، هو الناطق الرسمي والفعلي الذي تنتظر اجابته العواصم العربية والغربية، إلى جانب تل ابيب.
لبنان المنهك، قد يقبل املاءات اقتصادية ومالية. قد يتعرض لعقوبات ولحصارات كثيرة، قد تشل مفاصله، قد يستقوي فساده على القوانين، قد تكون سياساته الانمائية والاقتصادية والتربوية والبيئية كارثة عليه… وقد.. وقد، لكنه في ما يخص الصراع العربي الاسرائيلي، فلبنان عاصمته، بكل جدارة، وموقف اميركا واسرائيل و”الاشقياء” العرب، لا يُبدل حرفاً من حروف المقاومة، ولا يفت من عزيمة رجالها، ولا ينقصها العديد والعتاد وما تيسر من تأييد صارم لا يتزحزح، لحق لبنان في ارضه، ولحق الفلسطينيين بفلسطين.
لبنان، اخ توأم للقضايا العربية، من زمان. انشطر مراراً، كعادته. لكن لبنان المنعزل عن قضية فلسطين لم ينجح. ظلت فلسطين شأنا لبنانيا، كما ظلت المقاومة، منذ ولادتها الأولى، العمود الفقري لصلابة لبنان.
بإمكان العالم أن يستخف بكثير من عواصم العرب، ولكنه لا يستطيع الا أن يأخذ لبنان على محمل الجد. كأنه العاصمة المفقودة بين عواصم العرب المبعثرة في ولاءاتها، بين اميركا و… دونالد ترامب.
كأن شيئاً لم يكن بعد… إلا في لبنان.