يمضي الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في تقمص دور السلطان العثماني غير منتبه إلى اختلاف الظروف وسقوط السلطنة وتحرر “الرعايا”، وقيام عالم القطبين وانهيار الاتحاد السوفياتي وعودة روسيا، بقيصرها الجديد بوتين، إلى محاولة النهوض ببلاده اقتصاديا وعسكريا والانفتاح على الاعداء السابقين من موقع الند مالك السلاح النووي والصواريخ عابرة القارات .. مع اختراق ملحوظ للإدارة الاميركية وللحلف الاطلسي الخ..
ولقد حاول “السلطان” الانتقام من “العرب”، رعاياه السابقين، فوطد علاقات بلاده، مع العدو الاسرائيلي، وتواطؤ معه ضد مصر خصوصاً، والعرب عموماً، مبتلعاً الاهانات المتعمدة التي وجهها الاسرائيليون إلى سفيره في تل ابيب، حين استدعوه إلى وزارة الخارجية واجلسوه على مقعد واطٍ في حين حدثه وكيل الوزارة بعنجهية تداني الاحتقار.
كذلك فقد حاول اردوغان التدخل في السودان، و”اشترى” قاعدة بحرية، وضعها معلق الآن مع حكم الثورة الجديد في الخرطوم..
الآن يحاول اردوغان مع اوضاع ليبيا الممزقة، والرد على الموقف المصري أن يتدخل بفظاظة في الحرب الاهلية التي شطرت البلاد هائلة المساحة والغنية بالنفط، واستقبال رئيس حكومة طرابلس وعقد المعاهدات معه… ثم قراره بالتنقيب عن النفط عند سواحل قبرص التي يحتل بعضها، مما استفز قبرص واليونان ومصر.
كذلك فقد أقدم اردوغان على احتلال بعض الارض السورية المواجهة لحدوده بذريعة صد الاكراد السوريين الذين يتبادلون معه الكراهية، مستغلا انشغال دمشق في حربها على الارهاب لاستعادة ما كانت تحتله العصابات في الشمال السوري بعنوان ادلب وما جاورها من مناطق “مملكة” سيف الدولة الحمداني وشاعره المعروف وابن عمه “ابو فراس الحمداني”: “أيا جارتا لو تعلمين بحالي..”.
ولقد تسببت هذه المغامرة في بعث الخصومة التاريخية بين سوريا وتركيا، لكن التدخل الروسي حال دون اندلاع الحرب بين البلدين، وتولت الشرطة الروسية مهمة الفصل بين قوات الطرفين، وتقدم الجيش السوري عائداً إلى ارضه في القامشلي، متقدماً نحو دير الزور، على شاطئ الفرات.
في الوقت نفسه تتقدم القوات التركية في غرب العراق، وتوالي توطيد علاقاتها مع قيادة الحكم الذاتي في الشمال الكردي، بإغراء النفط العراقي بينما هي ترفض ـ بشراسة ـ حقوق الاكراد في تركيا، برغم انهم يشكلون نحو خُمس السكان.
أما في العراق فان بغداد بلا حكومة منذ حوالي الشهر.. والصراع بين ايران والولايات المتحدة بات مكشوفا، ويدفع ثمنه الشعب العراقي الذي يعاني من ازمة اقتصادية خانقة، والجماهير الغاضبة تملأ شوارع وساحات بغداد والناصرية وكربلاء والنجف، ويتساقط في صفوفها الضحايا يومياً.. والمرجعية الشيعية في النجف تنصح السلطة (وإيران ضمنا) بتجنب انفلات الامور وغرق ارض الرافدين في حرب اهلية جديدة لن يفيد منها الا اعداء العراق والطامعون في السيطرة على موارده المميزة، والنفط اساسا، بينما الشعب يغرق في الفقر في ارض هارون الرشيد!
ومع أن احتمالات تحريك او افتعال فتنة بين الشيعة والسنة في العراق شبه معدومة، الا أن الاضطراب الحاصل يفاقم من الازمة الاقتصادية الحادة التي يعيشها العراقيون في ظل انهيار سعر عملتهم وعمليات التخريب التي تستهدف المنشآت النفطية، بل وتحرق النفط في البصرة وجوارها مهددة بكوارث مخيفة.
نصل إلى الجزائر حيث لجأ الكل إلى التحايل على الانتفاضة الشعبية المستمرة منذ سبعة شهور واكثر، “فسمح” للشعب، بانتخاب رئيس جديد للدولة..
وجرت الانتخابات الرئاسية في ظل شبه مقاطعة شعبية، وفاز فيها أحد وزراء عهد بوتفليقة عبد المجيد تبون. لكن الجزائريين رفضوا هذا “التعيين” وعادوا إلى الشارع من جديد، يطالبون برفع قبضة العسكري عن الحياة السياسية في البلاد، وترك الشعب يقرر من سيحكمه سواء كرئيس للدولة او كنواب عنه في المجلس النيابي العتيد، المجهول موعد انتخابه!
في هذا الوقت تستمر الانتفاضة في غزة، والعمليات الفدائية ضد جيش الاحتلال الاسرائيلي في الضفة الغربية.. وتسبب العدو الاسرائيلي بأزمة جديدة مع النظام الاردني، بسبب إقدامه على نزع الهوية الاردنية ـ الفلسطينية عن بعض منطقة الاغوار (عند شاطئ نهر الاردن).. مما أغضب الملك عبدالله وجعله يرفع صوته اعتراضا، ويهدد بما لا يملك من تنفيذه كمثل قطع العلاقات مع العدو، والسعي إلى اقناع الولايات المتحدة الاميركية بالتدخل لمنع انهيار العلاقات بين الدولة الهاشمية التي اقيمت بالتحايل على اماني الامة بالوحدة والتحرر (في شرقي الاردن)، ثم صارت مملكة للأمير عبدالله بأفضال نكبة فلسطين 1948 وتواطؤ جد الجد الشريف حسين مع بريطانيا العظمى على “القضية المقدسة”، فلسطين والذي قضى اغتيالاً في صحن المسجد الاقصى انتقاماً للتفريط بالحق العربي مقابل عرش من اوهام.
في هذا الوقت ايضا تستمر الانتفاضة الشعبية الرائعة في لبنان، وقد دخلت شهرها الثالث (تفجرت في 17-10-2019).. وتتزايد المناورات والمحاولات لإجهاضها، تارة بمحاولة تطئيفها، وطوراً بمحاولات لشق صفوفها.
آخر هذه المحاولات الاتيان بحكومة جديدة رشح لرئاستها استاذ في الجامعة الاميركية في بيروت هو الوزير السابق حسان دياب..
وبرغم أن “الميدان” لم يُسَّر بهذا الاختيار، وان كان لم يرفضه فان ثمة من حرك بعض الجمهور بذريعة مذهبية مفادها أن المرشح الجديد لا يمثل الطائفة السنية، وعمد إلى قطع الشوارع واشعال دواليب السيارات في بعض جهات بيروت ومناطق أخرى.
حمى الله السودان وثورته التي فتحت نافذة للأمل في جدار اليأس والخيبة التي تعيشها الجماهير العربية في ظلال انظمتها الحاكمة سعيداً وكأنها تنتمي إلى عالم آخر!
..وحمى الله شعب لبنان الذي اكد وحدته على قاعدة وطنيته والتي يهدد الخلاف على موقع رئاسة الحكومة، التي رفضها سعد الحريري، لتفريق جماهيره والعودة إلى المربع الاول.
ينشر بالتزامن مع جريدتي “الشروق” المصرية و”القدس” الفلسطينية