بدأنا نجني بعضاً من خيرات »العهد الجديد« من قبل أن يبدأ رسميا..
أول الغيث: سقوط بدعة »الترويكا«، ولو كاحتمال.
صحيح أن أطرافها »السابقين؟« كانوا قد تخفّفوا من موبقاتها الثقيلة، وهم على مشارف نهاية »العهد«، إلا أن اللبنانيين المتشككين ظلوا يتخوّفون من عودتها إلى الحياة حتى ثبتت لهم وفاتها »بالوجه الشرعي«!
إن النقاش الدائر الآن حول حدود الصلاحيات الدستورية لهذا الرئيس أو ذاك، لهذه المؤسسة أو تلك، وبغض النظر عن دلالات توقيته أو عن استهدافاته الفعلية، مفيد في إعادة »توضيح الحدود« تمهيداً لتأكيد المبدأ الدستوري في الفصل بين السلطات.
ولعل ما »يشي« به هذا النقاش إعادة شيء من الاعتبار إلى المؤسسات عموما، وفي الطليعة منها بعد »الرئاسة الأولى، مجلس الوزراء، ثم وبشكل خاص مجلس النواب، وقد كان تحوّل، وعلى امتداد سنوات، إلى دائرة تصديق معاملات وإقرار ما تحيله إليه الحكومة من مشاريع قوانين، إلا إذا…
… إلا إذا كانت »العلاقات« بين رئيس المجلس ورئيس الحكومة »معتكرة« بخلافات إيديولوجية عميقة، حول قضايا خطيرة كمثل حقوق الإنسان أو الموعد الملائم لإعلان الثورة الاشتراكية العظمى، فعندها تنام المشاريع التي يريدها »الرئيس الثالث« في أدراج »الرئيس الثاني« في انتظار »مصالحة« غالبا ما كانت تتم برعاية »الرئيس الأول« فيتم المُراد من رب العباد… أما العباد فلهم الله وإليه يرجعون!
سيكون في لبنان، إذن، ومن حيث المبدأ: رئيس للجمهورية له صلاحياته المحددة، ولموقعه قوة رمزية تجعله خارج دائرة الخلاف في الاجتهاد، وخصوصا أنه حامي الدستور وهو بهذا المعنى »المرجع الأخير«.
… وسيكون في لبنان، إذن، مجلس للوزراء، يتولى السلطة التنفيذية بقيادة من محضه النواب »ثقتهم الغالية« فاختاروه رئيساً لحكومة العهد الأولى..
وبالتالي فإن مجلس النواب سيعود بعد غياب، و»سيحضر« وسيسمع اللبنانيون (أخيراً) كلمته وهو يسمي الرئيس المكلف، ثم عند التصويت على الثقة بالحكومة الجديدة، الخطوة الأولى على طريق الإصلاح وهي أطول من ألف ميل، وسيكون نظرياً مرجعها في تقييم عملها وترشيدها ونقدها ومحاسبتها بسيف ثقته البتار متى لزم الأمر!
أما »الهدية« الثانية التي تلقاها اللبنانيون مع نهاية العهد الحالي، ربما كفعل ندامة أو كبادرة حسن نية، أو كعربون صداقة تجاه »العهد الجديد«، فهي مشروع قانون الإثراء غير المشروع.
خارج دائرة الجدل الفقهي واللغط السياسي والتساؤلات المستريبة أو المتشككة التي تناولت هذا المشروع وطرحت مدى جديته، انطلاقاً من توقيته ومدى قابليته للتنفيذ، في ضوء اشتراطاته المعقدة، فإن اللبنانيين قد رأوا في مجرد طرحه اعترافاً صريحاً من العهد الحالي، أو بعضه المستمر، بالمسؤولية المعنوية عن أخطاء وقعت فعلاً، وعن فساد استشرى فعلاً، وعن تعديات على المال العام حصلت فعلاً، وبالتالي عن إثراء غير مشروع حققه كثير من »أهله« أو المحسوبين عليه أو المنتفعين به.
وبين »أول الغيث« و»الهدية الثانية« فقد تساقط كثير ممن كانوا يعتبرون، لأسباب غير مفهومة أحيانا، وبغير استحقاق دائما، من »الثوابت«.
فقط في غياب المؤسسات، بل في تغييبها، تبرز الحاجة الى من يفترضون أنه لولا صياحهم في الصباح لما أشرقت الشمس..
أما إذا حضرت المؤسسات ولعبت دورها الطبيعي فإن أي حديث عن »الثوابت« يغدو نكتة سمجة وإهانة لذكاء اللبنانيين..
أيمكن أن يكون »الشخص« أكثر إيحاء بالثقة من مؤسسة دستورية لم يدخل جنتها ولا يمكن أن يدخلها إلا من ثبت إيمانه وتأكد التزامه بمواقفه عبر التجارب والسنين والتغلب على… اغراءات التقلب!
… مع التنويه بأن كثيراً ممن ارتقوا فجأة إلى مرتبة »الثوابت« السامية إنما جاءوا إليها وخلفهم تاريخ حافل بالتقلبات والانقلابات وتبديل المواقع و»نقل البارودة« من كتف إلى أخرى.
بهذا المعنى، ومن دون رغبة في رسم الغد بألوان زهرية، يمكن أن يكون للتفاؤل »بالعهد الجديد« مبررات محددة وواضحة، لا ترقى إلى مستوى المعجزات والعجائب التي يروج لها المتضررون من سمعته الطيبة وإيمانه بالمؤسسات والتزامه بالدستور، ولكنها لهذا أهم وأبقى..
بهذا المعنى لن نكون قد فزنا فقط برئيس جديد للجمهورية، متميز في مواصفاته الشخصية، وفي سابقته في القدرة على الإنجاز في الجيش، بل لعلنا سنفوز أيضاً باستعادة المؤسسات التي كانت مضيّعة أو مغيّبة أو معطّلة بفعل البدع التي أولها »الترويكا« وآخرها »الثوابت«.
وبهذا المعنى يكون العهد المقبل جديداً حقاً، وإلا تحول إلى مجرد امتداد لما اشتدت الشكوى منه حتى غدت غيمة سوداء ظلّلت وجه العهد المنقضي وكادت تذهب بما أنجزه، وما أقدم عليه من قرارات شجاعة، بعضها »تاريخي« وسيبقى وسيكون له أثره في لبنان المستقبل.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
What's Hot
المقالات ذات الصلة
© 2025 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان