يقف العالم، الآن، على أطراف أصابعه، في انتطار نتائج الانتخابات الاسرائيلية!
ولقد انتظم رؤساء الدول، سواء تلك التي كانت عظمى، أو التي تحتكر اليوم العظمة، مرتين خلال خمسة شهور، في طابور طويل للإدلاء »بأصواتهم« في هذه الانتخابات التي تصوَّر أحيانù وكأنها ستقرر مصير الكون!
وفي المرتين أعطى هؤلاء أصواتهم لصالح شمعون بيريز وحزب »العمل« الاسرائيلي، توكيدù لايمانهم الثابت بأن الديموقراطية الإسرائيلية هي الطريق الوحيد الى »السلام« في »الشرق الاوسط الجديد« وقيام »النظام العالمي الجديد«.
من الغرب الجديد جاؤوا، من الغرب القديم، من الشرق الغارق في الماضي لا يعرف كيف الخروج منه الى مستقبله، من العرب العاربة والعرب المستعربة.. جاؤوا ليتلوا فعل ايمانهم بالديموقراطية الاسرائيلية من مفترضين انها تحمل في طياتها، في جملة ما تحمل، الخلاص للعرب المتخلفين، المعادين لحقوق الانسان، برغم احتياجهم الشديد الى فرصة التعبير عن آرائهم بحرية، وجهلهم في كيفية ممارسة حق الانتخاب بدليل أن اسرائيل ومعها بعض الغرب أوفدت »خبراء« ليعلموا الفلسطينيين كيف يختارون مرشحيهم وكيف يسقطون اللوائح في الصناديق المثقوبة من أعلاها فيخرج من مكان ما فيها النواب لتمثيل ارادة الامة!
أسقطوا، وهم بمجملهم من أساطين النظم الرأسمالية، حساسياتهم العقائدية تجاه »الاشتراكية« واعتراضهم المبدئي وكفاحهم المضني ضد »الاقتصاد الموجه«، وتجاوزوا التخوف من الاتهام بالتدخل في الشؤون الداخلية لدولة اخرى، وقرروا ان نجاح شمعون بيريز وحزبه مصحلة أميركية روسية بريطانية فرنسية المانية يابانية تركية مغربية عمانية قطرية اردنية مصرية فلسطينية وأممية مشتركة!
من قبل ان يقول الاسرائيليون كلمتهم، نادى هؤلاء بشمعون بيريز رئيسا لرؤساء العالم، وبايعوه إماما للديموقراطية، مؤكدين تفهمهم لاحتياج ديموقراطيته الى بعض المدفعية وبعض الغارات الجوية وبعض المجازر في لبنان، مثلا، وحرب التجويع والاعتقال الجماعي، في فلسطين، مثلا.
الديموقراطية الاسرائيلية لا تتناقض مع الدم العربي، بل هي تتغذى به.
* * *
اما على المستوى المحلي فان نتائج الانتخابات الاسرائيلية تكاد تكون الهاجس المقلق لكل الناس: الكل يرجئ قراره حتى يطمئن الى سلامة الديموقراطية في اسرائيل وارتفاع وعي »الناخب« الاسرائيلي وحسن اختياره!
ان »النقاط« الفاصلة بين بيريز وخصمه الشرس بنيامين نتنياهو تحرم كثيرين هناءة الغفوة، وتلتهم لحظات الصفاء، وتفرض الشلل العام وتعطيل القرارات: من كان ينوي الزواج أرجأه، ومن كان بصدد صفقة سوّف في توقيعها، من معه مال مجمد سيّله، ومن معه مال سائل جمّده، ومن كان على سفر تلبث في صالة الترانزيت في المطار، ومن كان يهم برسم سياسته تشاغل حتى تنتهي اطول عملية انتخاب في التاريخ،
الذريعة هنا ان الانتخابات تحدد قرار اسرائيل: هل هي ذاهبة الى الحرب، ام انها قد اهتدت اخيرا الى فوائد »السلام« وضرورته لمجتمعها الديموقراطي المتقدم بل النموذجي، بدليل ان الكل يتشهى المشاركة في هذه الانتخابات التي ستقفل القرن العشرين بدمغتها، والتي ستفتح الباب لدخول القرن الواحد والعشرين من خلال ذلك الثقب في اعلى الصندوقة التي سيتزاحم على ادخال الاوراق فيها الحاخامات والمستوطنون والعسكر الاسرائيلي ويهود الشتات والاحزاب الكثيرة التي تتوالد فيها »الحمائم« من »الصقور« و»الصقور« من »الحمائم« بآلية عجيبة، مع قيادات العالم المتمدن من رؤساء وملوك وكتاب ومفكرين وعلماء وجمهور الحائزين على جائزة نوبل وجوائز مهرجان كان!
* * *
»… وطالما اننا لا نعرف، بعد، قرار اسرائيل ووجهة سير »زعيمها« الجديد وحكومته العتيدة، فلماذا اشغال انفسنا بسفاسف الامور مثل الانتخابات النيابية، وقيام مجلس نيابي جديد، يتطلب حروبا على القانون الانتخابي الجديد، وهو بدوره يتطلب تقسيما اداريا جديدا قد يسقط البلاد في فخ الانقسام الطائفي والمذهبي ويذهب بوحدتها الوطنية الجديدة التي ولدت في »عرس قانا« يوم 18 نيسان 1996«؟!
»لماذا العجلة، والعجلة دائما من الشيطان«؟!
»لماذا »الهرولة«، والهرولة الآن مذمومة بل وملعونة يتنصل من ارتكابها طليعة المهرولين كما الذي نال شرف المشاركة فيها ولو في المرتبة الاخيرة«؟!
هذه نماذج مما يردده الآن اقطاب الحياة السياسية في لبنان، وفيهم من اهل الحكم كما من »المعارضات«، وفيهم من »النواب بالتأسيس« ومن »النواب بالتجنيس« وفيهم من الزعامات »الشعبية« كما فيهم من أقطاب الدعوة الى الديموقراطية وحقوق الانسان.
المنطق السائد هو ان »الظرف الدقيق الذي تمر به البلاد لا يسمح بترف الانتخابات وادخال اللبنانيين في دوامة صراع عنيف قد يمزقهم… فما أهمية الديموقراطية أمام حلم السلام او أمام موجبات الاستعداد لمواجهة قد تكون الأقسى في تاريخنا؟!«.
اسرائيل تقول للعالم: لا اذهب الى »السلام« الا بأصوات الناس، أي بالديموقراطية!
وفي لبنان ثمة من يقول: لا نذهب الى الديموقراطية لان اصوات الناس تزعج السلام وقد »تطفشه« فيُحرم لبنان من نعمته الوفيرة!
الطريف ان هؤلاء يستخدمون الذرائع الاسرائيلية بالمقلوب، وهذه ذروة العداء لهذا العدو الصهيوني العنصري قاتل الأطفال!
فالديموقراطية عندنا تهديد للوحدة الوطنية، والانتخاب عمل حربي قد يضر بالسلام، اما التمديد للمجلس النيابي وتجميد النمو وحرمان الاجيال الجديدة بل الشعب كله من حق ابداء الرأي في من يمثله وينوب عنه ويرفع صوته بقراره، فهذه كلها ممارسات ارهابية قد تدمغنا بالتطرف وقد تجر علينا اعتداءات جديدة وقد تخرجنا من قائمة المرشحين لدخول جنة »السلام« الموعودة التي سيقف على بابها، يوم 29 أيار الجاري، »الملاك الحارس« شمعون بيريز فيقرر ديموقراطيا »شركاءه« فيها!
وأغلب الظن ان دعاة التمديد للمجلس النيابي لا يعكسون في اقوالهم الا رغباتهم الشخصية التي تنم عن اطمئنانهم الى رسوخ اقدامهم في مجال التمثيل الشعبي،
لكن اللغط، مجرد اللغط، في امر كهذا ليس أقل من اهانة للبنان وللبنانيين جميعù، خصوصù بعد كل ما قدمه هذا الشعب العظيم من تضحيات ليؤكد انه طليعة أمته، وعيù وصمودù وصلابة وقدرة على التمييز بين الديمقراطية وبين شكلياتها الفارغة وبين »السلام« وبين الافخاخ والاوهام التي تنشرها اسرائيل لاصطياد »السلام الاهلي« بداية، ثم لاغتيال »السلام« نفسه مستعينة بالذين اعطوها »اصواتهم« واموالهم واحدث آلتهم الحربية الجهنمية، وكذا بالمهرولين العرب الذين لم يميزوا ابدù بين السلام وبين الاستسلام، او انهم لم يرغبوا في التمييز!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
What's Hot
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان