للقضاء أن يقول كلمته الفصل في الشبكة التخريبية التي دلّت التحقيقات أنها كانت على ارتباط مباشر بجهاز »الشاباك« الإسرائيلي،
لكن ما لا يقل أهمية عن كلمة القضاء هو »المناخ النفسي العام« الذي استقبل به اللبنانيون خبر نجاح الأجهزة الأمنية في كشف هذه الشبكة، وفي الحصول على اعترافات تفصيلية توضح ما خفي من أسرار بعض التفجيرات التي كانت أشبه بعمليات قتل جماعي (تفجير البرمكي في دمشق، مثلاً)، أو تلك التي استهدفت إثارة فتن طائفية في لبنان، أو ضرب العلاقات اللبنانية السورية واستثارة الحساسيات المرضيّة ازاءها.
لقد تلقى اللبنانيون جميعاً، وعلى اختلاف مشاربهم السياسية، خبر الكشف عن هذه الشبكة على انه »إنجاز أمني«، ولم يصدر عن أي طرف حزبي أو عن أية مرجعية مذهبية أو طائفية ما يوحي وكأنها عملية انتقام من طبيعة سياسية أو طائفية مبررة بالذريعة الأمنية.
إنهم مجموعة من الضالين أو المضلَّلين، ضعاف النفوس، المنحرفين، ارتضوا فتورطوا بعلاقة مدمرة مع »جهة معادية« وساقهم النقص في الحس الوطني إلى حد الضلوع في ما يؤذي أهلهم وبلادهم، لقاء حفنة من الدولارات.
لم يرتفع صوت واحد بالاحتجاج أو بالتشكيك،
ولم يتطوع أحد بالتبرئة المسبقة للمتورطين، وبالتالي للطعن في سلامة القصد لدى الأجهزة الأمنية أو لدى قضاة التحقيق،
لم يقل أحد؛ مثلاً: شبعنا من اتهام إسرائيل بكل ما يقع من تخريب في بلادنا، أو شبعنا من التجني على خصوم الحكم ومعارضيه بتوجيه الاتهامات التي تمسهم في وطنيتهم!
لم يقل أحد، مثلاً: إنها حملة منظمة ضد هذه الطائفة أو تلك لتحجيمها أو لتقزيمها أو للتشكيك في إخلاصها للبنان!
كذلك لم يقل أحد، مثلاً: إنها خدمة مجانية لسوريا يدفع ثمنها بعض اللبنانيين المخلصين الرافضين لإلحاق لبنان بها!
تعاطى الجميع مع أخبار الشبكة التخريبية على أنها مسألة بحت أمنية، وأن كشفها خدمة وطنية.
على أن المعنى الأعمق أن الجسد اللبناني قد أكد مناعته، في مواجهة عمليات التخريب الإسرائيلية،
لم يعد ممكناً القول إن لإسرائيل »حزباً« أو »أحزاباً« في لبنان!
ولم يعد ممكناً الادعاء أن ثمة طائفة صديقة أو مذهباً صديقاً لإسرائيل في لبنان.
لقد عادت إسرائيل إلى الخارج، حيث كانت وحيث يجب أن تكون دائماً بوصفها »العدو«.
العدو في الخارج، وليس في الداخل، وبمعزل عن حجم الخلافات السياسية أو التباين في الرأي بين اللبنانيين: ذلك أمر آخر، لا علاقة لإسرائيل به، ولا يجب أن تكون لها به صلة أو علاقة من أي نوع.
لقد كان اللبنانيون جميعا، من مختلف الطوائف والانتماءات السياسية، مرشحين ليكونوا ضحايا (ومعهم السوريون).
وللبنانيين جميعا حق الادعاء على المتورطين مع »العدو الوحيد«!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان