تبدت إسرائيل في الدوحة، أمس، وعبر القرار »التاريخي« الذي اضطرت قطر لاتخاذه تحت ضغط الحرص على دورها المغامر إلى حدود الانتحار، بإقفال مكتب التمثيل، وكأنها أقوى القوى العظمى.
ولعل من المخجل أن يُعتبر إقفال هذا المكتب »نصرا عظيما« للدول المشاركة في المؤتمر الإسلامي.
كما كان من المخجل أن ترفض الدوحة، قبل ذلك، الطلب الملح لشقيقاتها الدول العربية بإقفال المكتب الذي لو تُرك أمره للأخوة القطريين لأنهوا وجوده منذ زمن بعيد، وبأسلوب غير دبلوماسي!
إن هذا القرار دليل بؤس على الوضع العربي، ودليل تهافت في الوضع »الإسلامي«، إذا صح القول إن ثمة وضعا واحدا لكل العرب أو لكل المسلمين على الاختلاف في نزعاتهم ومواقعهم الجغرافية وارتباطاتهم السياسية ومصالحهم الاقتصادية.
إنه ليس إعلانا بالنصر، بل يكاد يكون إعلانا مدويا بعمق النفوذ الإسرائيلي في البلاد العربية، وهو نفوذ عطل سابقا وهو ما زال يعطل الكثير من القرارات العربية.
كما إنه إعلان بفداحة التغلغل الإسرائيلي في البلاد الإسلامية، بما يشل الجهد المشترك وينسف وحدة الموقف، ولو تحت شعار ديني!
لكأن إسرائيل أقوى ببعض الأنظمة العربية على مجموع العرب، وأقوى باختراقها لبعض أنظمة الدول الإسلامية على مجموع المسلمين!
ولكأنها أقوى »داخل« بعض الدول العربية من أهلها ومن مجموع العرب،
وأقوى »داخل« بعض الدول الإسلامية من أهلها ومجموع المسلمين!
قبل عشرين يوما، وفي قمة عربية طارئة عُقدت على عجل في القاهرة، وأمام المشهد الدموي المفجع للقمع الإسرائيلي الوحشي لثورة القدس في فلسطين، عجز العرب مجتمعين عن »إقناع« قطر، إحدى أصغر الدول العربية وأقلها سكانا، وبُعداً عن مسرح المواجهة، مسلحة أو سلمية (!)، بإقفال مكتب الاختراق الإسرائيلي للخليج العربي تحت لافتة التمثيل التجاري!
اليوم، بعد ثلاثة وأربعين يوما من جنون القتل الإسرائيلي الذي أودى بحياة حوالى مئتي شهيد من الفتية الفلسطينيين، وأكثر من ستة آلاف جريح، وبعد تدمير منهجي يكاد يذهب بما تبقى من المرافق المنشأة حديثا في فلسطين، والحبل على الجرار،
اليوم، بعد عدد لا يحصى من مناشدات الأخوة، ومحاولات الإقناع بالمصلحة العربية العليا، وبعد تهديدات جدية بإلغاء قمة المؤتمر الإسلامي المقررة في الدوحة، أبرزها تلك التي اضطرت لإعلانها السعودية وسوريا ولبنان عربيا، وإيران الثورة الإسلامية،
اليوم، ومع وصول عرفات إلى واشنطن في محاولة جديدة وأخيرة لإقناعه بأن يبلع الجمر ودماء الشهداء ويتنازل عما لا يملك ولا يقدر أن يتنازل عنه،
اليوم فقط، وبعدما أُثخن الجسم الفلسطيني بالجراح، وبعدما شحبت قدرة العرب على اتخاذ قرار »بالدفاع السلبي« عن وجودهم ومنع شطبهم من خريطة التأثير السياسي بما يحمي مصالحهم وأمنهم القومي،
اليوم فقط، أمكن »انتزاع« القرار القطري التاريخي بإغلاق هذا الوكر الإسرائيلي الذي له ألف باب وباب.
هل تذكر من بين أغاني الطفولة تلك التي تقول كلماتها:
»أبي أمسك الشجرة. أمي أمسكت أبي. أخي أمسك أمي. أختي أمسكت أخي… شدوا، شدوا لم يقلعوها…«.
… وكان على الجميع أن ينتظروا نجدات إضافية لتعزيز قدراتهم حتى يستطيعوا اقتلاع تلك الشجرة اليابسة!
مع ذلك، ستنهال التهاني والتبريكات والتحيات وبرقيات التأييد لهذا القرار الثوري الذي اتخذته دولة قطر أخيرا، والذي ضنت به من قبل، على لبنان المقاوم كما على فلسطين المستباح دمها وكيانها وحق شعبها في تقرير مصيره فوق أرضه!
هل يعني هذا أن إسرائيل أقوى في قطر وغير قطر من 22 دولة عربية مجتمعة، وقوتها أنها في »الداخل« وليست وافدة أو طارئة أو عادية أو مستعدية ومن الخارج دائما؟!
… وان إسرائيل أقوى من 52 بلدا إسلاميا تشغل دوله مساحات استراتيجية هائلة من القارتين الكبيرتين آسيا وأفريقيا ومساحة لا بأس بها في أوروبا (خصوصا مع إصرار تركيا على أن تكون منها)!
إن القرار شهادة بقوة الاخترق الإسرائيلي أكثر منه شهادة للتضامن الإسلامي، فضلا عن التضامن العربي.
انه اختراق استدعى »حربا« حُشدت لها إمكانات أهل الدين والدنيا حتى أمكن كسب موقعة فيها!
مع ذلك، لا بد من الترحيب بهذا القرار، ومن التنويه بالجهد الاستثنائي الذي بذلته أطراف كثيرة من أجل هذا الإنجاز الذي قد يفتح الباب لنمط جديد ومستوى جديد في التضامن العربي ومن ثم الإسلامي.
وعسى تستكمل قطر تنظيف نفسها جيدا من آثار »المغامرات« التي كثيرا ما تحولت الى مقامرات تؤذيها كما تؤذي أخوانها، ولا تفيد إلا »العدو« الإسرائيلي. نكرر: العدو.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
What's Hot
المقالات ذات الصلة
© 2025 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان