ليس مستبعدا ان يحمِّل بنيامين نتنياهو لبنان المسؤولية عن تكاثف الضباب وانعدام الرؤية في سماء الجليل، مما ادى الى تصادم المروحيتين العسكريتين المثقلتين بالمتفجرات والذخائر وجنود الوحدات الخاصة المرسلين »في مهمة سلام« داخل الأرض اللبنانية.
وربما اضاف نتنياهو »ليلة القدر« الى قائمة المتهمين المطالبين بدماء جنوده السبعين الذين تناثرت اشلاؤهم فوق الأرض الموحلة والتي كانت تنتظر ان يغسلها الثلج الذي استسقاه الناس بصلواتهم والأدعية.
فمع تركيز الاتهام على »ليلة القدر« يمكن الوصول الى »حزب الله« ومن ثم الى سوريا التي تشكل مظلة الحماية، واستطرادا الى ايران التي لا تنكر اقدامها على تصدير الاسلام كثورة وكتبه جميعا، وفي النهاية الى عموم المسلمين الذين يؤمنون بليلة القدر وينتظرونها، كل عام، ليحمّلوها اغلى امنياتهم والاحلام التي تعجز نهاراتهم الكئيبة عن تحقيقها.
على ان ذلك كله لن يطمس مسؤولية الحكومة الاسرائيلية ومعها جيشها، عن »ابشع كارثة تعرض لها سلاح الجو« ولن يوفر الاجابة المطلوبة على الاسئلة الكثيرة التي ستبقى معلّقة في قلب الضباب بعد انجاز مراسم الجنازة الجماعية للجنود الاسرائيليين السبعين الذين تفجّروا بذخائرهم فانتثروا اشلاء قبل ان يصلوا الى لبنان لينفذوا عمليتهم الواسعة ضد اهله الآمنين وهم نيام.
اول الاسئلة التي قد يطرحها رفاق هؤلاء الذين اودى بهم تصادم المروحيتين العسكريتين: ماذا ترانا نفعل في لبنان؟! ولماذا نذهب الى الموت هناك؟! اننا نطير إليهم فنقطع مسافات شاسعة لنقتل او نموت في أرض لا نعرفها ولا يقبلنا اهلها بشهادة التاريخ الطويل لاحتلالنا ذلك »الشريط« من جنوبهم؟!
ولقد تضيف عائلات الجنود الذين تفجرت اجسادهم بالذخائر التي كانوا يحملونها ليدمروا بها بيوت الفلاحين الفقراء وليقتلوا بها القرى والمزارع وأهلها البسطاء المتمسكين بأرضهم والباقين فيها من دون أن يفكروا يوما بتجاوز »الحدود« للهجوم على الإسرائيليين في مستوطناتهم أو في البيوت التي اغتصبوها من أهلها الأصليين (الفلسطينيين): لماذا ترسلون أبناءنا الى الموت حيث لا خطر يتهددنا؟! لماذا علينا أن ندفع ضريبة لبنان الأضعف من أن يستطيع تغيير المعادلة؟! ألا تكفينا مشكلاتنا مع الفلسطينيين؟! ألا نعرف لغة غير القوة نستخدمها في كل أمر وفي كل مكان؟! وكيف سيقبلنا هؤلاء الناس، وكيف سيعيش معهم أبناؤنا مستقبلاً طالما أننا لا نقبل منهم إلا الميت أو الأسير؟!
وأغلب الظن أن أهالي الجنود القتلى لن تهدئ من خواطرهم برقيات التعزية التي سارع الى إرسالها بعض »السلاطين« العرب، وفي الطليعة كالعادة دائما الملك حسين، بل هي قد تزيد من مخاوفهم لأنها إثبات جديد على أن مستقبلهم في المنطقة سيكون مثل مستقبله مهددا.
ان القيادة الاسرائيلية، مدنية وعسكرية، لن تستطيع التنصل من المسؤولية المباشرة عما وقع، ولن ينفع التوصيف المأسوي في التخفيف عن أهالي الجنود القتلى، إذ يتبقى بالنتيجة السؤال بلا جواب: من المسؤول عن هذه »الكارثة« كما أسماها نتيناهو؟!
طالما لا مجال لتوجيه التهمة الى »الخارج«، فإن المسؤول إذن في »الداخل«، ولا بد بالتالي من محاسبته.
وإذا كانت »عملية نيسان« قد أودت برئيس الحكومة السابقة شمعون بيريز وفتحت الطريق أمام بنيامين نتنياهو ليصل الى سدة السلطة في إسرائيل، فإن »عملية شباط« قد تجعل ذلك »المنتصر الكبير« يسقط ملتحقا بخصمه الذي لم تنفعه أصوات »المهرولين« العرب.
فالتطرف اليهودي الذي حمل نتنياهو الى السلطة إنما جاء به لكي يقتل العرب، وليس الإسرائيليين، وقد لا يكفي »الضباب« ذريعة لتخفيف الحكم على هذا المهووس بالسلطة الذي كان شعاره الانتخابي نفي الآخرين.. كل الآخرين!
قد يقولون غداً »انها لعنة لبنان«،
وقد يقول الاكثر تسيساً انها »ضريبة اللاءات« التي شهرها نتنياهو في وجه الذين ارتضوا على مضض ان يجلسوا اليه للتفاوض على ارضهم، فرفض الا ان يتنازلوا اولا ليفاوضهم بعد ذلك على »امنهم«، ليس الا..
واذا كان »اتفاق الخليل« الهزيل قد فتح امام نتنياهو الابواب المغلقة، ومسح عن وجهه ملامح الشرير والمتطرف، وجعل البابا يطلب من الرب مباركة اسرائيل، فان الجثث السبعين قد تضفي على »بيبي« صورة »الضحية«، وقد تدفع بالعالم المعجب بهذا القائد الشاب الى عقد مؤتمر طارئ على غرار شرم الشيخ لمكافحة الضباب،
فالضباب يمارس الارهاب ايضاً،
وربما استصدر قرار دولي آخر بالغاء »ليلة القدر«،
وربما اضيفت تهمة جديدة الى سوريا بانها ترعى مع الارهاب الضباب، وانها توفر له الحماية والقاعدة المتينة ثم تطلقه من لبنان ليفتك بالاسرائيليين المسالمين،
كل شيء ممكن، في انتظار ان يقول »القاضي« الاميركي كلمته الاخيرة بلسان مادلين اولبرايت،
اما الفلاحون الفقراء في جنوب لبنان الذين يعيشون في ظلال الموت رعباً من الانتقام الاسرائيلي فلا احد يفكر فيهم او يحاول التخفيف من ذعرهم، ولا يجدون امامهم من ملجأ الا »ليلة القدر«،
ولكن ماذا عن صباح الغد، وبعد ان تنقضي الليلة المباركة؟
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان