أما وقد ارتكبت القيادة الكردية ممثلة بالمللا مسعود البرازاني رئيس الاقليم الكردي في العراق الخطيئة المميتة بإعلان فصل الاقليم عن حاضنته العراقية كوطن ودولة لجميع ابنائها..
أما وقد هب العالم جميعاً مستنكراً ورافضاً الاعتراف بالأمر الواقع الذي حاول فرضه الزعيم الكردي البرازاني، مستغلاً الفراغ في القيادة الكردية الثانية بوفاة السياسي العريق، رجل الحكمة والظرف والدهاء مام جلال الطالباني،
أما وقد رفضت بغداد أن يفرض البرازاني سياسة الامر الواقع عليها، فيعلن ضم كركوك الغنية بالنفط والتي هي موضوع نزاع على تبعيتها ـ بالأمر ـ لأربيل،
أما وقد رفض العالم كله، بعربه وغربه وشرقه (وان كان الاعتراض الروسي خافت الصوت لأسباب تتصل بتركيبته السكانية) هذا الانفصال بالأمر الذي فرضه البرازاني..
اما وقد جاهرت دول الحدود، تركيا اساساً ومعها إيران، وسوريا بطبيعة الحال، وان كانت دمشق تحاول ايجاد صيغة مرضية لكردها داخل الدولة السورية المركزية.
أما وقد استدرج التفرد البارازاني هذا الرفض الدولي لتقسم العراق إلى دولتين على اساس عنصري، مع تجاوز فاضح للعلاقة الاخوية الممتدة عبر التاريخ بين الكرد والعرب،
فمن الضروري الآن فتح الباب لتراجع “السلطان” الكردي مسعود البرازاني عن قراره المتعجل وغير العقلاني والذي يضر بالإخوة العربية ـ الكردية من دون أن يفيد الأكراد..
ومما يسهل على الاكراد هذا التراجع أن العراقيين جميعاً، عرباً وكرداً، سنة وشيعة والاقليات جميعاً، ازيديين وصابئة وسريانا وكلدانا يشكون سوء الاوضاع، وتهاوي الدولة التي تحولت إلى منهبة لسراق السلطة، وغالباً باسم الظلامة التاريخية.
أن كل عراقي مظلوم، لا فرق بين عربي وكردي، او بين سني وشيعي، فضلاً عن الأقليات..
والحل في مؤتمر وطني يجمع العراقيين، بقياداتهم جميعاً فيتدارسون اسباب المشكلات التي تكاد تلغي الدولة في العراق وتحولها إلى مغانم لأشخاص وتيارات، هي في الغالب الاعم، واجهات لنفوذ دول قوية ما زالت في حكم المحتلة (الولايات المتحدة الاميركية) او تنظر إلى نفسها كشريكة، مستغلة الواقع الديموغرافي للعراق (تركيا مع السنة، وكذلك بعض دول الخليج، وايران مع الشيعة..)
أن العراقيين كافة يعيشون ضائقة اقتصادية خانقة في “ارض السواد”، في بلد يكاد يكون الاغنى بثرواته (النفط ومياه الرافدين والاخصب من الاراضي)
وليس من حل لطائفة او فئة على حساب مجموع العراقيين.
لقد مر زمن كان فيه الشيعة بين المغبونين، ومعهم الكرد.. وهو زمن طال واستطال لأكثر من ثمانين عاماً.
ولكن الحقيقة أن فئات من السنة وليس كل السنة كانوا من المستفيدين..
ثم جاء زمن الاحتلال الاميركي بعد اسقاط الطاغية صدام حسين، الذي طغى وبغى على جميع العراقيين، شيعة وسنة، عرباً وكرداً واقليات متعددة الاديان والطوائف..
وكان بديهيا أن يعمد الاحتلال الاميركي إلى تأجيج نيران الفتنة فيسلم “الاسير” صدام حسين إلى الشيعة ليعدموه في ابشع منظر ووسط صيحات كريهة من المرتزقة الذي اتى بهم الاحتلال ليحملهم وزر هذه الخطيئة..
اما حين جاء زمن الهيمنة الشيعية فقد تسلم الحكم نفر من العائدين من المنافي، او من خريجي سجون صدام، المتلهفين الى السلطة والثروة، فأفسدوا مضيفين نهبهم إلى حقبة المنهبة الصدامية ثم منهبة زمن الاحتلال، فاذا بالعراقيين بائسون، جائعون، والارض مهجورة للريح وأرض السواد تشتهي الخضرة.
العراق بحاجة إلى يقظة وطنية تجمع اطياف شعبه جميعاً، وتنهي زمن الفساد الذي قد يتذرع به قادة الاكراد الآن، مع انهم كانوا شركاء فيه.
ارحموا العراق، وارحمونا، أيها العراقيون، قبل أن نستغرق، مرة أخرى في البكاء على اطلال دولة لم نعرف كيف نحفظها وغد لم نعرف كيف نحميه.