أهم ما في الانتخابات الاسرائيلية، بل ربما في »الانقلاب« الذي أحدثته، انها قربت صورة إسرائيل الداخلية من »أعدائها« العرب، فانكشف لهم بعض سرها المغلق.
وهو سر مغلق إما لأنهم لم يحاولوا أن يعرفوها حقيقة فيفضوا أقفاله، مفضلين الاستمرار في ارتياحهم الى التبسيط القاتل،
.. وإما لأنهم اعتمدوا وحدة قياس مغلوطة هي أوضاعهم هم بالذات، فكان مستحيلاً ان يتوصلوا الى الفهم!
بين ما اضطر العرب الى معرفته الآن:
1 ان اسرائيل لا يمكن ان تتلخص في شخص واحد، حتى لو كان في موقع الزعيم أو القائد.
هناك دائمù على القمة اثنان، على الأقل: الزعيم الحاكم، والزعيم المعارض.
وهناك خلفهما مباشرة منافسون اقوياء و»شرعيون«، يسعون الى الزعامة بجد، فيحيكون المؤامرات ويخوضون المناورات، ويطلقون المزايدات، ولكن على قاعدة: المزيد من القوة والمنعة لإسرائيل، المزيد من التقدم الاقتصادي والتفوق العسكري والمستوطنات والسلامة الأمنية… وكل ذلك من دون الإخلال بقواعد اللعبة »الديموقراطية«.
فالعلاقة الداخلية بين »أبناء شعب ا” المختار« ديموقراطية الى أقصى حد، ولا بأس ان هي تغذت فتعززت بدماء »الغوييم«، أي الآخرين.
للخارج الحرب، المجازر، الاغتيالات.
أما في الداخل فيحفظ لقاتل الزعيم اسحق رابين حق الإدلاء بصوته، برغم انه محكوم بالسجن لعمر كامل!
2 ان الزعيم لا يلغي المؤسسة الحزبية ( أو العسكرية) التي انجبته، بل هو بحاجة يومية لإعلان التزامه بمنطقها وبرنامجها السياسي، فإذا ما جاءت ساعة الغياب (بالموت أو بالاعتزال أو بالسقوط في الانتخابات) قدمت المؤسسة البديل الوريث، الذي غالبù ما يكون الى جانب السلف، يعمل معه ويتعلم منه ويهيّئ نفسه ليتخطاه او ليخلفه.
3 ان مجتمعù صغيرù، مثل اسرائيل، يمكنه ان يتحمل اكثر من عشرين حزبù وتجمعù وتنظيمù وائتلافù سياسيù.
وبين المفارقات اللافتة ان العربي، عامة، يجهر الآن بعدائه للعمل الحزبي، ويتهم »أحزابه«، بما في ذلك التاريخية منها، انها بين أسباب نكبته وهزيمته المستمرة، في حين تتوالد الاحزاب والتنظيمات داخل اسرائيل لتوفر دليل حيوية لافتة، ولتضفي على المشهد الاسرائيلي ثوبù مثالي الديموقراطية برغم تنافره مع طبيعة اسرائيل العنصرية المقدمة للعالم الآن وكأنها نموذج المجتمع »العلماني«… وكأن التوراة والتلمود والزبور هي مدارس لتخريج الخارجين من الخرافة الدينية الى الدولة العصرية.
لقد تنافس في الانتخابات الاسرائيلية الأخيرة عشرون حزبù وتجمعù (خرج واحد منها خلال المعركة)، بعضها وُلد قبل اسابيع، وبعض آخر استنبته الاندماج بين تيارين ناشئين، او اتى به الانشقاق عن الاحزاب الكبرى.
وفي حين كانت اكثرية »العرب« مطمئنة الى فوز شمعون »النسر الملتحي« (وهذا معنى بيريز او بيريزنسكي)، على منافسه بنيامين »عطية الله«، (وهذا معنى نتنياهو)، فلقد فتحت عينيها فجأة على الواقع السياسي الاسرائيلي فإذا الاحزاب الصغيرة والمنافسة للزعيمين القائدين هي مركز الثقل وهي صاحبة القرار في تشكيل الحكومة الجديدة التي ستتولى ادارة الصراع مع العرب في السنوات المقبلة.
الآن يعرف العرب عن داخل اسرائيل اكثر مما عرفوا في اي يوم.
وفي رأس ما اضطروا لأن يعرفوه ان »الصوت العربي« مؤثر جدù بدليل انه قد حمل الهزيمة الى مرشحه الأثير: شمعون بيريز!!
البعض يقول: لأنه استخدم في الاتجاه الخطأ،
والبعض الآخر يقول: لأن الاعلان عنه وكشف حجمه قد استفز عنصرية اليهود فتكتلوا حتى لا يؤثر على خيارهم الأصلي.
والدروس »العربية« كثيرة جدù، إذا ما حاول او أراد العرب فعلاً معرفة »عدوهم«، والعديد منهم هرول الى الاستسلام له من قبل ان يعرف ما يكفي عنه ليقلبه من العدو الى الخل الوفي!
ولعل »الانقلاب«، بتأثيراته الهائلة، سيفرض على العرب مثل هذا التعرف على »العدو« الذي يقاتلهم منذ حوالى قرن من دون ان تدخل مكوّناته في ثقافتهم الشعبية.
آخر النكات الأميركية حول الانتخابات الاسرائيلية: ان واشنطن تسعى الآن لتبديد قلق »الحلفاء« العرب من مخاطر فوز نتنياهو.
والسؤال: ترى من يبدّد قلق واشنطن؟!
ومن يبدد لدى هؤلاء العرب القلق على واشنطن بيل كلينتون؟!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان