لم يكن لقمة شرم الشيخ أي مبرّر جدي ما دامت القيادة المصرية قد امتنعت، برغم الضغوط الأميركية، عن ممارسة »دالتها« على الفلسطينيين من أجل قبول العرض القديم المجدَّد والمرفوض بصيغتيه، لأنه لا يشكل حلاً ولا مدخلاً إلى حل يحقق الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية.
ليس في العرض الإسرائيلي الذي اتخذ شكل »مقترحات أميركية« ما يخرج عن القواعد التي اعتمدها إيهود باراك وتبناها بيل كلينتون في »كمب ديفيد 2« وبعدها: أن يوافق الفلسطينيون أولاً، وأن يغطي العرب هذه الموافقة غير المشروطة، ثم بعد ذلك يكون التفاوض الذي يشكل »الصوت المرجح« في انتخابات رئيس الحكومة الإسرائيلية في 6 شباط المقبل!
ولقد حاول كلينتون، بكل طاقته، أن يبيع هذه البضاعة الفاسدة من العرب، بالترهيب وبالترغيب معاً، فلم يحقق النجاح الذي يطلبه والذي يحتاج إليه صديقه الحميم إيهود باراك.
لكن كلينتون لن يستسلم، وسيواصل المحاولة، حتى ساعته الأخيرة في البيت الأبيض، لعله يوفر لباراك ما عجز عن تأمينه لنائبه آل غور، فيمكّنه من الفوز مجددا بموقعه على رأس السلطة في إسرائيل.
والحقيقة أن كلينتون لم يعمل بمثل هذا الدأب لإنجاح زوجته هيلاري في معركتها لدخول مجلس الشيوخ عن دائرة نيويورك…
طارت جائزة نوبل للسلام، وطارت الرئاسة بعيدا عن يدي نائبه، لكن كلينتون ما زال يجهد ويجتهد لكي ينتزع من الفلسطينيين بوليصة تأمين ضد الفشل لإيهود باراك، عبر أصوات »عرب السلام بأي ثمن« وذلك بتخويفهم من البدائل المحتملة التي استولدتها انتفاضة الأقصى أو هي ستستولدها داخل إسرائيل كما داخل مجتمعاتهم ذاتها.
وها هو كلينتون يعرض على الفلسطينيين »رائحة الشواء« مستبقياً اللحم كله لإسرائيل: الحرم القدسي من دون حائط البراق، ومن دون الحي الأرمني، وما هو فوق الأرض من دون ما هو تحتها، وأحياء من القدس الشرقية مع ما يعادل أعداد الفلسطينيين من الإسرائيليين فيها، وإشارات غامضة إلى حق العودة لأعداد محدودة بل ومعدودة ممن شرّدتهم إسرائيل فلجأوا إلى خارج وطنهم بما يمكنهم من الرجوع إلى وطنهم على حساب وطنهم، وعلى حساب الملايين من إخوانهم في الشتات… ودائما بقرارات سيادية إسرائيل.
إنها محاولة جديدة لكي يملأ بيل كلينتون وقته، ولكي يشتري إيهود باراك الوقت الذي أخذ يضيق به وعليه… أما الفلسطيني فالوقت هو سلاحه الأخطر إذا هو صمد فلم يقتل قضيته بتوقيعه.
لكأن العرض الأميركي على الفلسطيني أن ينتحر من أجل باراك حتى لا يقتله أرييل شارون!
ولكأن كلينتون يعمل بكل هذا الدأب بمنطق محدد: إن نجحت فمن أجل إسرائيل وبفضلها، وإن فشلت فالمسؤولية على الفلسطينيين خصوصا وعلى العرب عموما بدءاً بمصر مرورا بالسعودية، من دون نسيان »العصاة« في سوريا ولبنان، والذين ترمى إليهم، بين حين وآخر، كلمات مطمئنة بينما السياق يتهددهم بمخاطر مصيرية.
و»التوطين« ليس إلا الاسم الرمزي لنقل المشكلة من قلب إسرائيل وهي التي تسبّبت بها، وهي المسؤولة الأولى والأخيرة عنها أمس واليوم وغداً، إلى داخل المجتمع العربي لاستعدائه أكثر فأكثر ضد الفلسطينيين، ومن ثم تركهم لمصيرهم الذي قد تأخذهم إليه قيادتهم المنهكة والمستضعفة والمستعدة لأن تقدم الكثير حتى لا تخسر »الرعاية« الأميركية وعبرها هذا النوع من التضامن العربي تحت شعار »نرضى للفلسطينيين ما يرتضونه لأنفسهم ولن نزايد عليهم فنكون ملكيين أكثر من الملك«.
أما »الانتفاضة« فهي الضمانة ضد التوقيع على بياض، كما ضد التوطين، وكذلك ضد محاولة تخويف الفلسطينيين بالغضب الأميركي الذي سيمنع المساعدة العربية والذي سيتركهم لمصيرهم مع قائد معسكر التطرف الإسرائيلي أرييل شارون الذي يتقدم بسرعة قياسية لوراثة »نابليون الصغير« المغرور والخائب إيهود باراك.
ولن يتوقف كلينتون عن محاولاته لتطويع الفلسطينيين، وعن محاولة استخدام بعض العرب في هذه العملية الإنقاذية الأخيرة للرجل الذي أُعطي حكماً فلم يعرف كيف يحفظه، وأُعطي فرصة ثمينة للتسوية فأضاعها وأضاع معها مستقبله.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان