المؤمن، قريب إلى قلبي. الاحترام واجب. الدفاع عنه وعن معتقده الزامي. انه كائن صادق ومنتم ومنفتح. يعرف حدود الالتزام الحر، ويعترف بالاختلاف ويحترمه. لم نولد كلنا من رحم ديني واحد. جئنا هذا العالم مزودين بإرث رضعناه وانتمينا اليه.
كل شيء ورد اعلاه، يفرض علينا احترام معتقدات الآخرين، ليس ممالأة، بل اعترافا بأن لا فضل لأحد في ذلك، فما نرثه نأخذه، تماما كما يرث الآخر من تراثه ما يتناسب وسلالته. فلا فضل لمؤمن على مؤمن. لم نختر دياناتنا ولا الهتنا ولا معتقداتنا. انها ارثنا الذي ولدنا منه، ومعه نكمل الطريق… هؤلاء يسمون مؤمنين.
والمؤمن قريب إلى قلبي واحترامه واجب حقيقي ومقدس.
اما بعد، يلزم عدم الاكتفاء بهجاء الطائفي. هذا كائن يخلط بين الايمان وبين الممارسة. الطائفي عدواني. لا يعترف بروحية دينه ويلتزم به، بل لا يهمه الدين كثيراً. ابلغ ما يهتم به، تحويل الطائفة إلى معسكر عدواني. لا يلام المؤمن ابداً إذا كان يمارس طقوس دينه. هذا واجبه الطبيعي. ولكنه يلام، عندما يستدعي مخزونه الديني، ويطيفه، ويسيسه، ويقود معارك مكتومة، خبيثة، حاقدة، ضد من يختلف معه، دينا وطائفة..
لا نعتدي على الطائفي إن قلنا عنه انه كائن حقير. بل حقير جداً. لأنه مستعد أن يكذب، أن يطعن بالظهر، أن ينتهز، أن ينتقي فقط من هم مثله، تطيفاً وسلوكاً… عرفنا في لبنان ابشع انماط الطائفيين. انهم يتكاذبون ويتآمرون ويتربصون ولا يهمهم من الوطن، الا حصتهم التي ينافسهم فيه، من هم مثلهم في الطوائف الأخرى.
ثم، أن مشكلة لبنان الوجودية، هي نتاج طبيعي لانتماءات الطائفيين إلى طوائفهم. انهم لا ينتمون إلى لبنان، الا عبر عبَارة المذهب والطائفة. لبنانهم الاقصى، هو لبنان الذي على قياس طوائفهم. صدقوا. هذا هو لبنانهم اليوم.
لا اعفاء لزعماء العصابات الطائفية ابداً. هؤلاء قراصنة براً وبحراً وجواً وميناءً ومؤسسات. المشكلة هنا، ليست هؤلاء الذين يحظون بنعاج او دواب يسهل ركوبها والسير بها إلى اهدافهم القذرة.
ما يهمني هنا، هو الطائفي وليس الزعيم الطائفي. حظ الزعماء الطائفيين أن لديهم رعاع، نعاج يتبارون في تقديم الولاء والطاعة، ويقوسون مواقفهم على قياس ظهورهم، ليسهل على الزعيم ” المفدى” أن يمتطيها. الطائفي هو من تخلى عن احترامه لنفسه، فبخسها وحنى قامته ليصير مطية.
والطائفي ينطبق عليه سيل من الصفات، يتصف بها. فهو يكذب، عندما يتكلم في الوطن والوطنية، وطنه طائفته، وليذهب الآخرون إلى الجحيم. الطائفي انتهازي تافه، يظهر عليه ذلك، عندما ينتقد بصوت ومفردات لاذعة، زعيم وزبانية الطوائف المخاصمة له. طائفيوا لبنان هم ظهور مقوسة ليركبها القائد وحاشيته وعائلته. لا يهمهم إلى اين يقودهم هؤلاء الزعماء. المهم انهم معاً في المركب الطائفي. ومن لا يصدق ذلك، فليستمع إلى المحللين السياسيين والاعلاميين الطائفيين، وحفلات السباب المسمى نقاشاً في الشاشات. كل ابن قحبة يدافع عن قحبته، ويشن هجوماً سافراً على شبيه من طائفة منافسة.
الطائفي، ليس مؤمنا بالمرة. اليهودي المؤمن لا يشبه اليهودي الصهيوني. والطائفي اللبناني، لا يشبه دينه ابداً. بل يشبه ويتشبه برجال دينه واحزابهم الطائفية وعليه، تبنى السياسة في لبنان تأسيساً على هذه القواعد، وإلا، لماذا الخوف راهنا، من الذهاب إلى حرب طائفية، يسمونها اهلية. انها حرب عنصرية بحتة، لأن الطائفي لا يكتفي بتكفير خصومه، بل يرغب في هزيمته وتحجيمه، مدعياً أن التوازن الطائفي، المبني على السرقات المتبادلة، هو المطلوب.
ولا مرة كان التوازن الطائفي قائماً على “العدل الطائفي”.
تضم طائفة الحقيرين الكبيرة، “كفاءات” علمية وجامعية واختصاصية ومهنية ذات سمعة طيبة في ممارسة مهنتها. ولكن التزامها الطائفي، هو الالفباء، هو اولا، والاختصاص والتفوق هو في خدمة اغراض طائفية حقيرة.
كل طوائف ومذاهب لبنان، تضم هذه “الكفاءات”. والغريب، أن هذه الكفاءات الناجحة جداً في مهنتها، ليست بحاجة إلى أن تضع نفسها في خدمة زعيم حقير لا يفقه الا الغصب والاحتيال وتدوير الزوايا واقتناص الفرص والاثراء غير المشروع والسرقة والسطو ومد اليد للخارج.
احتاج إلى لكمة واقعية حتى أفهم هؤلاء “النخب” الممتازة. كيف تقبل أن تضع على ظهرها جلالاً، مطية للزعيم، بدل أن تحمل شهادة اختصاصها، وتخوض فيها غمار الحياة الوطنية، لأنها ليست بحاجة… هنا لا بد من الاشارة إلى أن الطائفية اقوى مئات المرات من الطبقية. لاحظوا جيداً، من تضم الطوائفيات اللبنانية. انها تضم الاثرياء حتى الفجور، والضعفاء حتى الفاقة. تضم العلماء والجهَال معاً… كيف يستقيم ذلك؟ يستقيم عندما تغيب القيم، ويُطاح بها، من اجل الكسب الطائفي الحرام.
ما يثير العجب ايضا، أن يكون الطائفي الذكي المتعلم، نصف طائفي، ويتعامل مع ابن الطائفة المنافسة على قاعدة تشكيل ارضية تفاهم. أي محاولة لإقامة السلم الطائفي، بدل العدالة الوطنية… ما يثير الغضب، أن لا تخجل من النخب الطائفية، من ازدواجية السلوك. فهو طائفي ولا تكتمل طائفيته الممتازة، الا بصفقة يعقدها مع خصومه الطائفيين… وما يثير الاشمئزاز جداً، هو لجوء الطائفي، بعد هجره من طائفته او بعد تهجيره منها، اللجوء إلى طائفة أخرى… تذكروهم جيداً. انهم اسوأ خلق الطوائف. عيب.
لا يمكن أن تكون طائفياً قليلاً. القلة لا تعفيك من أنك طائفي، والأولوية لطائفتك. كما لا يمكن أن يكون العلماني، نصف علماني. العلمانية، نقاء تام من كل لوثة او غبار طائفي. ليس هناك نصف علماني، كما ليس هناك نصف طائفي ابداً.
لبنان على حافة التحلل. والكتل الطائفية مرصوصة الصفوف. تسلك السبل اللبنانية الطائفية بلا مواربة. اصحاب السلطة في لبنان عباقرة الطائفية:
استعرضوهم: احزاب طائفية مبرمة: “القوات”، “الكتائب”، “امل”، “المستقبل”، “الاشتراكي”، “المردة”، “حزب الله” في سياساته اللبنانية، كهلم، يقرأون في كتاب الطائفية الرديء والمجرم. وما نحن فيه، دليل على حيوية هذه الآفات الطائفية، وعلى حماتها، الذين ذهبوا بلبنان إلى الكارثة. الكارثة هي الوليد الشرعي لهذه الطوائفيات المتحدة.
لا يتوقع أن تكون هناك حلول غير طائفية. فوز العلمانيين هو ضوء يشع في واقع لبنان السيء والمهني. العلماني كائن نظيف، لا لوثة طائفية تلطخ مسيرته.
اعود إلى البداية: المؤمن قريب إلى قلبي، واحترامه واجب. الطائفي حقير، واحتقاره واجب. فليبقَ ملعونا، مهما اختلفت طوائفياته المتنازعة على جثة وطن.
فيا أيها الطائفي. أنت حقير جداً. بل انت أكثر حقارة من المرتكب.