لا يتعب إيهود باراك من إطلاق التهديدات بتدمير لبنان،
لا يمضي يوم إلا ونسمع منه تهديدا جديدا أقسى في كلماته وفي مضمونه مما سبقه،
ولقد بتنا في حيرة من أمرنا فليس في لبنان من مصادر للخطر تتوازى مع هذه التهديدات… ولعلنا بتنا نخجل من أن ليس لدينا من المنشآت والمرافق ما يمنح تهديداته قيمة تتوازى مع خطورة تعابيرها التي تكاد تتجاوز ما يعنيه القول »لا أذن سمعت ولا عين رأت«!
ولأن كل ما يزيد عن حده ينقلب إلى ضده فلقد بدأ يسود نوع من الاعتقاد بأن باراك يبالغ في تهديداته بحيث تتوازى مع مخاوفه بأن ترتد عليه مناورته، أو بأن تخيب ضربته التي يفترض أنه قد أنهك بها لبنان (ومن خلفه سوريا) فتفقده توازنه ويتهاوى ملتحقا بأسلافه الثلاثة الذين أودى بهم الفشل في فرض السلام الإسرائيلي بقوة السلاح.
ولأن إيهود باراك يصنف نفسه بين أذكى القادة الاستراتيجيين فهو يعرف، بالقطع، أن الانسحاب (الذي سيكون بالتأكيد نصرا للبنان المقاوم ومن خلفه سوريا) ليس حلاً للمشكلة التي تواجه إسرائيل سياسيا ومن ثم أمنيا.
الانسحاب بلا اتفاق ليس حلاً، بل هو على الأرجح مشكلة جديدة لإسرائيل ولرئيس حكومتها على وجه التحديد.
والتهديد لا ينفع في استيلاد حالة الاستقرار التي يحاول إيهود باراك »بيعها« من الإسرائيليين، فلا هو يبث الأمن في قلوب المستوطنين في المستعمرات المواجهة أو القريبة للحدود الفلسطينية اللبنانية، ولا هو ينهي الإحساس العميق بالفشل الذي يجتاح المؤسسة العسكرية في إسرائيل،
فالجندي الإسرائيلي الذي اشترى سلامته بالتخلي عن الأرض المحتلة في لبنان لن يعود إلى »أهله« بأكاليل الغار، بل هو سيعاني من أزمة مزدوجة: حول كفاءته القتالية وعجزه عن القضاء على »مجموعات صغيرة« من المقاومين، ثم حول مسؤوليته غدا عما سيصيب »أهله« إذا نفذ باراك تهديداته (بعد الانسحاب الناقص حكما، أو غير المثبت باتفاق تسوية مع لبنان،) او وذلك كان المستهدف باتفاق مع سوريا ومن ثم مع لبنان.
ان باراك يظهر استعداداً لتعاون مفتوح مع الامم المتحدة، ليحاول الايحاء او ربما ليحاول تحميلها في ما بعد المسؤولية، عبر الزعم والافتراض بأن جنودها الطيبين والذين لم يتطوعوا لمهمات انتحارية سيتولون هم حماية اسرائيل ومستوطناتها،
وهذا بطبيعة الحال غير واقعي، فضلاً عن انه غير وارد،
وباراك لا يفتأ يؤكد انه سيسحب جيش احتلاله من آخر حبة تراب في ارض لبنان، ولكنه يشفع هذا التأكيد بالتهديد بفتح ابواب جهنم على اللبنانيين اذا اطلقت رصاصة واحدة على مستوطناته »الشمالية«،
ولو كان باراك واثقاً من انسحابه، غير المستند الى اساس »سياسي« ثابت، يكفي لتوفير الهدوء المطلق على الحدود مع لبنان، لما كان مضطراً الى تحويل الانسحاب الى انذار بالقتل الجماعي وبالتدمير الشامل وبمساحة تتعدى لبنان الى سوريا نفسها.
ان التهديد سيستدر التهديد،
والاقدام على غارات تدميرية سيواجه برد قد لا يكون بالقسوة نفسها وبالشمول نفسه، ولكنه سيكون كافياً لإفراغ »المستوطنات الشمالية« وإلحاق ضرر اكيد بالاقتصاد الاسرائيلي.
والاهم ان استمرار »المناخ الحربي« على الحدود مع لبنان سيسقط اسطورة باراك الذي انجز »ما لم يستطعه الاوائل«.
فهو لم يحقق التسوية الموعودة مع سوريا،
وهو لم ينجح في اقفال »الجحيم اللبناني«،
وهو لن يستطيع تقديم الحد الادنى من الادنى الذي لا تستطيع »السلطة الفلسطينية« ان تتخلى عنه، مهما ماطل، ومهما حاول كسب الوقت، ومهما بلغت براعة السمسار دنيس روس و»مونته« على قيادة عرفات.
باختصار: لن يكون السابع من تموز يوم عيد في اسرائيل، ولن يكون، بالمطلق، يوم احتفال لإيهود باراك… مع انه سيكون عيد انتصار في لبنان وللبنان المقاوم كله.
فالمناورة التي بدأت ناجحة سترتطم بالوقائع الصلبة التي لا مجال للتهرب منها أو لتجاهلها،
ان تنفيذ القرارين 425 و426 هو بداية مرحلة جديدة وليس النهاية،
ولن يكون الخلل في التنفيذ لبنانياً، لكنه وكما توحي تهديدات باراك سيكون إسرائيلياً،
والأمم المتحدة ليست حارس حدود لاسرائيل،
انها قوات حفظ سلام… فاذا لم يكن ثمة سلام (متفق عليه) فماذا ستحرس هذه القوات، التي لا بد ان تفزعها تهديدات باراك بأنه سيطلق جحيم نيرانه جميعاً على لبنان (وربما على سوريا) من فوق رأسها وأحياناً عبر رأسها ذاته.
ومهما أطلق باراك من النيران فسيظل يوم انجاز الانسحاب عيداً للنصر في لبنان، وفي سوريا، بل وفي كل أرجاء الوطن العربي، بما في ذلك وأساساً في فلسطين المحتلة.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان