من الطبيعي أن يفهم بنيامين نتنياهو »انتفاضة الوزراء« في جامعة الدول العربية، أمس، والتي جاءت أعلى صوتاً من »تحذيرات« لجنة القدس في الرباط وكأنها »تدخل عربي فظ في الشؤون الداخلية الإسرائيلية« يستهدف حكومته، بل وشخصه بالذات.
من الطبيعي، أيضاً، أن يلمح نتنياهو في هذا الاجماع العربي المستجد والمستمد مزيداً من الزخم »ظلاً« أميركياً ما، له دوره المؤكد إن لم يكن في التحريض المباشر ففي التشجيع المحسوب بدقة ودائماً بمنطق السعي لتهدئة »الثور الإسرائيلي الهائج« ومنعه من إيذاء نفسه وأصدقائه المقرّبين.
من الطبيعي أيضاً أن يقرأ في هذا »الإنذار العربي« بوقف خطوات التطبيع وإيقاف التعامل مع إسرائيل، إفادة عربية واضحة من الموقف الأوروبي الذي أتاح له ضعف الادارة الأميركية (بعد تجديدها..) تجاه رمز التطرف الإسرائيلي و»بطله« فرصة ثمينة لاستعادة دور كان محظوراً عليه بعد أن سلَّم العرب اثر »عاصفة الصحراء« المدمرة بالرعاية الأميركية المفردة »للعملية السلمية« التي أطلقت في مؤتمر مدريد.
من الطبيعي، أخيراً، أن يقول الناطق باسم حكومة نتنياهو، أمس، إن »العالم كله يختبر قوة إسرائيل«،
فالإجماع العربي، في هذه الحالة، يصبح بالمنطق الإسرائيلي ثمرة لمؤامرة دولية أغضت النظر عنها واشنطن، فانخرطت فيها أوروبا مما شجع العرب والمسلمين على المضي قدماً في تحدي نتنياهو »الذي لا يُقهر ولا يُؤخذ بالتهديد«!
أما القراءة العربية لهذا الإجماع الذي تطلّب الكثير من الجهد، والذي ساعد تعنت نتنياهو وإغلاقه الأبواب جميعاً في وجوه أكثر الحكّام العرب »اعتدالاً« فهو أنه البديل السياسي عن تجديد الانتفاضة الشعبية داخل فلسطين المحتلة بكل ما قد تستولده من تداعيات فكرية وسياسية وأمنية على مستوى الوطن العربي ومعه العالم الإسلامي جميعاً،
ولعل العرب قد اختاروا أن يخاطبوا، مرة أخرى، الراعي الأميركي لعله يتدخل وبأسلوبه فينقذ ما يمكن بعد إنقاذه من »العملية السلمية«، وإلا فإن الأمور قد تفلت من أيديهم وتعود إلى الشارع، من جديد،
لكن الفارق سيكون عظيماً بين »الانتفاضة« التي شجعت عليها ورعتها الولايات المتحدة الأميركية قبل عشر سنوات، وانتفاضة جديدة مرشحة إذا لم تخفِّف إدارة كلينتون الثاني من تماهيها مع سياسات نتنياهو وتبنيها لمنطقها لأن تتجه ضد التطرف في واشنطن الذي يحمي التطرف في إسرائيل.
إن الوزراء العرب ينذرون بأنهم، هم أيضاً، قد يحملون الحجارة، إذا ما استمر نتنياهو يضيّق الخناق على »المعتدلين« قبل »المتشددين«، فيحرج »شريكه« ياسر عرفات حتى يكاد يُخرجه، ويُحرج »صديقه« الملك حسين فيكاد يُخرِج عليه جيشه وهو الضمانة القاعدة لعرشه الهاشمي.
والوزراء العرب يستهدفون، أيضاً، فرض تعديل على جدول اهتمامات وزيرة الخارجية الاميركية مادلين اولبرايت التي لم تظهر الحد الكافي من الاحترام لقلقهم في ظل الجمود المخيف الذي يعطل »العملية السلمية« ويرمي العرب جميعاً في الفراغ، بينما يطاردهم احتقار نتنياهو كل لحظة!
واذا كانت حكومة التطرف الاسرائيلي ترفض استكمال المفاوضات التي تورط فيها الجميع، حتى مع الذين سلموا بالشروط الاسرائيلية ووقعوها من دون ان يقرأوها، فمن البديهي ان يرجع هؤلاء الى خط الدفاع الاخير، اي الى المطالبة بنوع مختلف من التفاوض، يتجاوز الثنائيات الى توحيد المفاوض العربي، في وجه الاسرائيلي الرافض التفاوض!
ولربما كان الوزراء العرب يفترضون ان مثل هذا الانذار قد يوفر للادارة الاميركية الفرصة المناسبة »لنصح« نتنياهو وتهدئة ثائرته حتى لا تخرج الامور عن السيطرة، خصوصاً اذا ما ترجم هذا الانذار نفسه في الشارع الفلسطيني بانتفاضة جديدة لا يلجمها حتى هذه اللحظة الا تحاشي الصدام المباشر مع الادارة الاميركية،
اما خارج فلسطين فان نذر الحريق تملأ الافق، وليست المقاومة المسلحة في جنوب لبنان مصدرها الوحيد، وان كانت الاهم والأخطر، وها هي الساحة الاردنية توفر الادلة على ضفاف النهر كما في قلب العاصمة عمان.
وقد يكون وزير خارجية نتنياهو قد بالغ (لتخويف الغرب) حين وصف وقائع هذه الايام بأنها »صحوة عربية« جديدة، ولكن المؤكد ان الناطق باسم حكومته كان يبالغ (لطمأنة نفسه) حين وصف التوصيات العربية الصادرة عن الجامعة بأنها »سخيفة«.
بالمقابل فان مطالبة وزير خارجية مصر اسرائيل »بأن تتأدب«، وحديثه عن »غضبة عربية شديدة« هو أبسط رد على تأكيدات نتنياهو المتكررة بأن اسرائيل لا تعتزم وقف العمل في مستوطنتها الجديدة فوق جبل ابي غنيم لاستكمال طوق الحصار حول القدس العربية.
تبقى »القمة العربية« التي يطول الجدل حول انعقادها، ضرورتها والموعد الانسب والمكان الافضل، خياراً اخيراً، اذا لم تسمع واشنطن النداءات التي وجهها اليها العرب والمسلمون من أجل التدخل للانقاذ.
وبين الشارع، حيث الحجارة والأطفال، والقمة حيث الحسابات والمسؤولون القلقون، يتذبذب الخيار في انتظار الكلمة الاميركية الاخيرة.
والسؤال الآن: متى تعدل »مسز أولبرايت« جدول اسفارها فتجيء في رحلة أولى كانت تسعى لارجائها ما أمكن، ربما حتى لا تكون لها ثانية قد يفرضها »حادث ما « في تل أبيب ذاتها.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان