بغير قصد، وبشكل عفوي، ترتسم في ذهنك صورة “الداهية” وأنت تتأمل وجه محمد ظريف بابتسامته العريضة التي تختفي معها عيناه الصغيرتان اللتان تزدحمان بالثعالب.
وزير خارجية الثورة الإسلامية في إيران، خريج الجامعات الأميركية، المناضل الشرس من أجل الاتفاق النووي مع أميركا باراك أوباما، الذي دار في عواصم الدنيا يحاول إقناع مسؤوليها بأن طهران الخميني عاصمة لدولة طبيعية وإن كانت مطامحها تتجاوز حدودها بمساحات ضوئية .. هو الرجل الذي خفف من “شراسة” صورة “الثورة الاسلامية” في العالم نتيجة براعته الدبلوماسية وذكائه الحاد وثقافته الواسعة.
حتى “استقالته” المباغتة، قبل أيام، قدمها، باسلوبه، عبر وسائط التواصل الاجتماعي، وتلقى الرد عليها من رئيس الدولة، حسن روحاني، بالإسلوب نفسه، وبما يعني الرفض قطعاً، قبل أن يعود لممارسة مهام منصبه.. وهكذا استعاد اعتباره لذاته فبقي في منصبه.
ولقد التقيت هذا الداهية مرات بشكل عابر، ومرة واحدة في مكتبه كوزير لخارجية إيران الثورة الذي يقع في واحدة من أربعة مبان متشابهة عند مدخل أحد القصور الإمبراطورية الغاربة… واجتهدت في إحراجه لإخراجه، لكن ابتسامته لم تغب عن شفتيه وظلت أسنانه تلمع.. بشيء من الزهو.
وصحيح أن الثورة الاسلامية بقيادة الإمام الخميني قد أهلت إيران لأن تلعب دوراً حيوياً مركزياً في منطقتها كما في العالم ببراعة دبلوماسيتها وتمسكها بمواقفها المبدئية وادراكها لأهمية موقعها وتميز دعوتها عن سائر الدعاة الذين يقولون بالإسلام ثم يسلكون دروب الشياطين.. لكنها قدمت من المؤهلين لترجمة الدعوة بالسياسة ما أكسبها مساحة واسعة في جوارها القريب وفي المحيط، بعكس سائر الدعاة ممن يتقدم النفط على اسلامهم على أطراف بلادهم الفسيحة التي “اكتشفوها” متأخرين.
ترى متى يكون لدينا وزراء بكفاءة هذا الداهية الذي فاوض الدول 5+1 بالقيادة الأميركية حتى حقق مصلحة بلاده في الاتفاق النووي؟!