ليس أبهى هذه الأيام، من المدينتين الساحليتين، طرابلس وصيدا، واللتين طالما عرفتما بتاريخهما النضالي من اجل تحرر الامة العربية بمختلف اقطارها بعنوان فلسطين.
طرابلس، المهملة تاريخيا، المحرومة من مشاريع الانماء والتطوير، برغم طابور شهدائها في فلسطين، وبرغم احتضانها الشماليين جميعاً: من بشري التي كانت مصيف عائلاتها البورجوازية، قبل أن تنجب “القائد” سمير جعجع و”قواته”، وزغرتا التي استولى اهلها على المقاهي واندية لعب الورق وكل ما يدر ارباحاً لا حدود فيها بين المحلل والمحرم.. فضلاً عن أهل الكورة المتميزين بثقافتهم وانقسامهم الحزبي عامودياً بين الشيوعيين والقوميين السوريين، والكل من “العلمانيين”.
ولم يخفف من حرمان طرابلس “احتكارها” ـ نسبياً ـ رئاسة الحكومة: من عبد الحميد كرامي، فإلى نجله الاول الشهيد رشيد كرامي، فإلى نجله الثاني عمر كرامي (من غير أن ننسى نجيب ميقاتي الذي تولى هذا المنصب الرفيع اكثر من مرة..).
أما صيدا، ساحة النضال المفتوح من اجل فلسطين، كما من اجل اهلها المتروكين للريح، بل المضطهدين والمسقطين من ذاكرة الدولة، والذين قاتلوا من اجل عروبة فلسطين، وترك ابنها البار معروف سعد وظيفته الرسمية لينضم إلى المتطوعين لمواجهة العدو الصهيوني. وبعد نكبة فلسطين عاد إلى مدينته التي استعصت على الغزاة واحرقت نفسها حتى لا يدخلوها…
على أن القمع استمر يطارد أهل صيدا، وفي ظل هذا القمع جرى استهداف المناضل معروف سعد وهو يقود تظاهرة شعبية من اجل مطالب اهل صيدا عموماً، والصيادين منهم بشكل خاص.. وقد اتهمت بعض زعامات الاحتكار بتدبير هذه الجريمة الشنيعة وتنفيذها في قلب ساحة ايليا في صيدا، وفي وضح النهار..
وبرغم أن الرئيس الراحل رفيق الحريري هو ابن صيدا، والمرحوم والده كان يعمل في بساتين الليمون فيها، قبل أن يعود “ابو بهاء” من السعودية مثقلاً بملياراته، الا انه لم يهتم بصيدا كما تستحق ولم يفعل لها الكثير لمعالجة اهمالها الطويل.. وكل ما فعله انه بنى لنفسه ولشقيقته السيدة بهية قصرين في ظاهر المدينة وكفى الله المؤمنين شر القتال..
طرابلس وصيدا عنوانان للحرمان، اضافة إلى اماكن ساقطة من ذاكرة الدولة مثل البقاع غرباً وشمالاً وشرقاً، والشمال مثل عكار والضنية وما ينهما..