لا وقت لدى اللبنانيين، ولا خاصة لدى الفلسطينيين، فضلاً عن العراقيين، للاهتمام بدلالات اللقاء (الطارئ) بين الرئيس الأميركي جورج بوش ورئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت، سواء بتوقيته أو بجدول أعماله، أو بالنتائج المرتقب أن يتوصل إليها هذان المحاربان ضد العرب .
فاللبنانيون غارقون في خلافاتهم السياسية التي تجاوزت الحدود التقليدية المألوفة، وجرفتهم الأخطاء في التقدير كما دماء ضحايا الاغتيالات التي تصيب الوطن ذاته أكثر مما تصيب ضحاياها الذين لم يكونوا في أساس الخلافات، أصلاً، بعيداً عن واقعهم، وفتحت أبواب بلادهم الصغيرة أمام الدول عظماها والكبرى، وعمّقت الشقاق، وشرخت السلطة بمؤسساتها الشرعية جميعاً… تقدمت الرغبة في الثأر على النزعة الاستقلالية، وعلى ثوابت الهوية والانتماء، ناشرة جواً من الشكوك والريب والاتهام الضمني بالتواطؤ بين الحلفاء القدامى، ولو لمرحلة، والشركاء دائماً في وطن واحد.
وفي هذا الشرخ الذي لا يفتأ يجد مَن يوسّعه سقط إفشال الحرب الإسرائيلية على لبنان (تجنباً لكلمة نصر التي لا يحبها بعض الفرقاء)… ومعه أسقط قسم كبير من اللبنانيين حاجز العداء مع إسرائيل، في حين صارت الإدارة الأميركية الملجأ والملاذ ومصدر الأمان (مباشرة أو عبر مجلس الأمن الدولي).
أما الفلسطينيون فقد تجاوزوا بخلافاتهم المعقدة حدود العقل والمنطق والمصلحة الوطنية (خصوصاً لشعب تحت الاحتلال الإسرائيلي بعد..) فانشقوا على ذاتهم، وشقوا القضية قبل السلطة ، بحيث صارت إسرائيل وليس الإدارة الأميركية وحدها، طرفاً داخلياً مقرراً: تعترف بهذا الطرف وتحارب ذاك الطرف (عسكرياً واقتصادياً إضافة إلى السياسة)، بغير أن يرفض من حظي بالاعتراف هذا المسلك أو يعترض عليه أو يستنكره، بل إنه يستخدم الموقف الإسرائيلي سلاحاً إضافياً وحاسماً في حربه ضد أخيه شريكه في الوطن وفي المصير… وينتهي الأمر بتشليع السلطة التي لا سلطة لها أصلاً، واستقرار القرار في الشأن الفلسطيني في اليد الإسرائيلية تحت الرعاية الأميركية والتسليم العربي.
بغير أن ننسى ما أصاب ويصيب القضية المقدسة من تدمير!
وأما العراقيون فحالهم أدهى وأمرّ. لقد قسّمهم الاحتلال الأميركي (بعد الطغيان) وخضعوا لتقسيمه، فانصرفوا عن وحدتهم وتأكيدها في مواجهته، إلى طوائفهم ومذاهبهم وعناصرهم، يقتتلون بها وعليها، فيقتلون أول ما يقتلون وطنهم والدولة والسلطة.
أما بقية الأنظمة العربية فأعجز من أن تتلاقى، فإذا ما تلاقوا فهم أعجز من أن يقرّروا، وفي وجه مَن؟ الإدارة الأميركية وإسرائيل؟! ولكنهم لم يقفوا ضد الاحتلال الأميركي للعراق، ولا هم وقفوا جدياً ضد الحرب الإسرائيلية على لبنان… بل ثمة شبهة في أن معظمهم ساند أو تبنى الموقف الأميركي المشجع والمؤيّد لاستمرار إسرائيل في حربها (برغم أنف حكومتها!!) أطول ممّا كانت قد قرّرت وبرغم الخسائر الفادحة التي منيت بها، دون أن تعوّض هزيمتها.
قد يتبدى لبعض العرب أن اللقاء بين بوش وأولمرت هو لقاء بين مهزومين ! لكن التدقيق في الصورة وخلفياتها، العربية بالذات، سيكشف واقعاً مأساوياً يمد شبحه فوق المشرق العربي كله، فيظهره يتخبّط في دمائه، وفي بؤس عجزه، عن وقف النزف الداخلي الذي يتهدد شعوبه بمخاطر تتجاوز نتائج الحروب (حتى التي لم يخسروها) إلى خسارة الحاضر والمستقبل.
صحيح أن كلاً من بوش وأولمرت مهزوم في حربه، لكن هزيمة أي منهما لا تشكل مع الأسف انتصاراً لمن قاتله فدحره ومنعه من تحقيق أهدافه.
ثم إن كلاً منهما تعرّض للمحاسبة أمام المؤسسات الشرعية في دولته، وما زال عرضة لمحاسبة سوف تطيح على الأرجح، بالحزب الجمهوري في الانتخابات الأميركية المقبلة، بينما أعادت المحاسبة في إسرائيل صياغة السلطة بمختلف مؤسساتها، ولا سيما الجيش، لتكون أكثر استعداداً في الحروب التي سوف تقع، وربما في موعد أقرب ممّا نتصور.
قد يبدو هذا الكلام خارج سياق الاشتباك السياسي المفتوح من حول السلطة البتراء في لبنان، والسلطة المنشقة على ذاتها في فلسطين تحت الاحتلال، والسلطة التي لا سلطة لها في العراق… فماذا يعني هؤلاء الحاكمون في أوطان مدمرة أو مهددة بالتدمير اللقاء بين رئيسين معنيين جداً ببلادنا وليسا معاديين؟!
… أما الخصوم الذين يتحولون تدريجياً إلى موقع العداء فهم أهل الداخل ، ومن ناصرهم فساندهم، ولو في وجه الاحتلالين!
على هذا يمكن قراءة نتائج لقاء واشنطن في العواصم العربية، مباشرة، وعلى الهواء…
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان