أقسى حرب على الانتفاضة، بعد الطائفية والمذهبية ومعهما، هي الحرب على الليرة وانزالها لمواجهة الدولار الجبار، وهي تكاد تكون بلا غطاء.
ها هم أصحاب المصارف يستغلون “الفرصة” لاحتجاز الأرصدة المودعة لديهم، فلا يتكرمون على أي من أصحابها بأكثر من مائتي دولار فقط لا غير حتى لو كان رصيده بأصفار دولارية عديدة.
.. وتوالت المناورات، وتعددت الذرائع، وحاول حاكم المصرف المركزي رياض سلامة رمي الكرة على وزير المالية (في الحكومة المستقيلة) وتفجرت أزمة الثقة الكامنة بين الرجلين، من دون أن يتحسن وضع الليرة التي تقبع الآن في العناية الفائقة، بينما يلعلع الدولار صعوداً، ومن دون توفر القدرة على وقف هذا الصعود.
لكأن أهل الحكم يردون على الانتفاضة الشعبية بحرب التجويع، فينصرون الدولار الجبار على ليرتهم المسكينة فتواصل قيمتها بالانخفاض وينخفض معها مستوى عيشهم ويعجزون عن توفير احتياجاتهم اليومية.
لكأنما “الدولة”، أو ما تبقى منها، تواجه الانتفاضة العظيمة لهذا الشعب بالقول: عليكم أن تختاروا بين غدكم الأفضل خارج القيد الطائفي وبين التسليم بهذا النظام الذي لا يهزم لأنه يمثل “إرادة عالمية” ويمثل مصالح “دولية عظمى” بين عناوينها مصلحة العدو الاسرائيلي.. لأن هذا النظام الفريد في لبنان هو النموذج الأولي لابتداع الكيان الاسرائيلي في فلسطين على حساب شعبها وحقه في وطن.
يريد هذا النظام إيهام هؤلاء الذين تجرأوا عليه ونادوا بإسقاطه في الساحات والميادين، انه باق بقاء الأرز، صامد صمود أبطال الأساطير، وان انتفاضتهم الى ضمور ومن ثم الى سقوط بالضربة الطائفية القاضية.
فالنظام أقوى من الوطن وأبقى، والطوائف أقوى من الشعب وأبقى، من لا يعجبه الحال فليرحل أو فليسلم بهذا النظام الأبدي السرمدي الذي يرفض الاعتراف بالشعب لأن من اصطنعه بعد اصطناع “الكيان” ومعه انما كان يمهد لاستنبات كيان آخر، من النوعية ذاتها، على أرض فلسطين.
والانتصار على هذا الكيان وضرب النظام الطوائفي فيه أول جولة منتصرة في الحرب على الكيان الآخر، اسرائيل.