سيدخل إميل لحود القصر الجمهوري، بعد أيام، بلباس الميدان، فعلاً لا مجازاً، لأنه سيواجه بحربين قاسيتين وليس بحرب واحدة: الأولى في الداخل، والثانية تلوح نذرها غيوماً سوداء تغطي سماء المنطقة منذرة بكثير من الويل والمآسي العربية الجديدة.
فصيحات الحرب الأميركية الإسرائيلية تتردد أصداؤها الآن بامتداد المشرق العربي من أطراف الجزيرة والخليج إلى حدود مصر،
… وبعض جولاتها التمهيدية قد استبقت موعد التسليم والتسلم بين إميل لحود وسلفه الياس الهراوي، الذي استقبلته دمشق، يوم أمس، في تحية وداع تحفظ له ما أنجزه سياسيا بعيدا عن كل ما يثار حول عهده وخارج السياسة بمعناها المباشر من اتهامات بالفساد والإفساد، اعترف بمعظمها أركانه، وخافوا من آثارها على مستقبلهم فاختاروا أن يختتموا عملهم بإعداد قانون للإثراء غير المشروع…
ومن المرجح أن تكون »الحرب« الداخلية التي سيواجهها إميل لحود الرئيس شرسة جدا ومتعددة الجبهات، لأن ما يلقى عليه أو يُطالب به من مهمات وإصلاحات وتغييرات »ثورية« تتجاوز حدود قدراته، بل وقدرات أي إنسان، مهما كانت صلاحياته واسعة وكلية، كمن تولى الحكم بانقلاب عسكري أو بثورة شعبية كما في زمن الماضي الجميل.
أما على المستوى العربي فواضح أن المنطقة تُدفع دفعاً إلى مواجهات مع الذات ومع »العدو« لم تستعد لها، بل هي أقرب لأن تكون »جولات الضربة القاضية« بهدف إنهاء »جيوب المقاومة« وتصفية »مواقع الاعتراض« بعدما استكملت حصارها عربياً، وتم توفير الذرائع »العربية« للهجوم الشامل.
ولعل صيحات الحرب التي تدوّي في أرجاء المنطقة الآن، هي النتائج الباشرة والفورية لاتفاق »واي«، الذي جاء بمثابة إعلان عن استعادة الوئام الأميركي الإسرائيلي، وبشروط نتنياهو هذه المرة، ورفع مستوى التنسيق الى تحالف استراتيجي، بل ووضع التحالف موضع التنفيذ الفعلي في موقعين على الأقل هما: فلسطين والعراق.
وفي الموقعين، ومن خلالهما وعبرهما، فإن الحرب ستستهدف أول ما تستهدف »مركز« الاعتراض أو قلعته، ممثلة بسوريا، ومنطلق المقاومة وجبهتها المشتعلة في لبنان، وحصنها وحاضنتها سوريا.
هي حرب أميركية إسرائيلية على سوريا ومعها لبنان، حتى لو كانت ذريعتها »تحرشات« صدام حسين ونظامه الذي قدم ويقدم أجلّ الخدمات وأثمنها لهذا الحلف القديم الجديد، أو العمليات الفدائية التي يندفع إليها بعض منتسبي »الجهاد الإسلامي« أو »حماس« ممن تتهددهم سلطة عرفات بالاعتقال و»الموت سجناً«، بالنيابة عن إسرائيل ولحسابها، لأنهم قد يفكرون بتحويل اعتراضهم على نهج الانحراف الى عمل مباشر، كالتظاهر والخطابة ورفع الصوت برفض المفروض أو الاندلاع في مغامرات يائسة حتى لا يُتهم واحدهم بأنه متواطئ أو شيطان أخرس أو جبان صرفه الخوف عن حماية أرضه المضيّعة.
ولعل بعض مَن كانوا في موقع »المنافس« لإميل لحود قد تحوّل الآن من الحسد إلى الإشفاق على هذا الرجل الذي لن يعرف من الحكم إلا متاعبه والأثقل مسؤوليات القرارات الصعبة وغير الشعبية.
ليس لبنان جزيرة في عرض المحيط، معزولة عما حولها في البعيد، وسيصيبه ضرر بالغ من شظايا قنابل التدمير التي قد تتساقط فوق بغداد وسائر العراق، أو حتى من المضي في امتهان شعبه وتضييق الحصار عليه بحيث يفرض عليه خيار من اثنين: إما الموت بيد طاغيته وإما الموت معه داخل أرض الرافدين التي كانت منبعاً للحياة والحضارة الإنسانية.
كذلك فإن أذى عظيماً سيصيب لبنان، واللبنانيين والفلسطينيين فيه، نتيجة توغل عرفات في حقل التنازلات القاتلة التي ضيّعت وتضيّع ليس فقط معظم أرض فلسطين، بل أمل الفلسطينيين داخلها وخارجها، ولا تبقي لهم غير التفجّر باليأس.
وليس اليأس مقاومة بل هو أقرب لأن يكون نقيضها،
فالمقاومة هي سعي إلى تحقيق الأمل بكل أشكال النضال، سياسيا وثقافيا واقتصاديا وتنظيميا وإشاعة للوعي واستقطابا للتأييد، وبين الوسائل العمل المسلّح وصولاً إلى تفجير اليأس من التغيير والانفجار به، وهو خروج على أصول المقاومة يلحق بها ضرراً عظيماً.
لكن، ماذا يتبقى للمعتقل داخل المعتقل والمقموع داخل زنزانته غير تفجير ذاته بجلاده، بدل أن ينتصر عليه ليبقى ويستعيد حقه؟!
للمناسبة: أليس لافتاً أن يتزامن إعلان عرفات عن إنجاز اللجنة المكلفة تعديل الميثاق الوطني الفلسطيني عملها المشرِّف!! مع إعلان نتنياهو العودة الى البناء في كل أراضي القدس (العربية)، والمباشرة ببناء المستوطنة المرجأة فوق جبل أبي غنيم؟!
ونعود إلى إميل لحود الذي يهمّ باستلام مهام منصبه الخطير، للقول: إن من حظ لبنان، وسوريا، أن يكون مثل هذا القائد في الموقع الثقيل المسؤولية غداً، ونحن نواجه أيام الشقاء.
إنها حرب مفروضة على لبنان، كما على سوريا، ولا مجال لتجنبها.
والأمل أكبر الآن في أن نحسن المواجهة، وفي ان نحصر الخسائر وفي أن نحفظ من أرضنا وقدراتنا ما سنحتاجه غداً، الذي ربما كان أقسى علينا من يومنا البائس.
… والمرجح أن تلبس البلاد كلها غداً لباس الميدان، وألا تترك إميل لحود وحده أو تكتفي بالقول: اذهب أنت وربُّك فقاتلا.
.. وهذه مهمة إضافية، أثقل وأجلّ من سائر المهمات المفروضة على العهد الجديد.
أعانك الله أيها الرجل الذي سبقك الصعب إلى الموقع الفخم!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
What's Hot
المقالات ذات الصلة
© 2025 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان