كل طائفة بؤرة للفساد. لبنان يتشكّل من طوائف. إذن لبنان تحالف أو صراع بؤر للفساد. تتنافس فيه الطوائف على مركز الصدارة في نهب المجتمع والدولة.
لا يستطيع لبناني التحرر من الفساد إلا إذا تحرر من طائفته. كل طائفة مركز للإرهاب. لا يستطيع الانسان الخروج على طائفته إلا ويتهم بالخروج على الدين.
يقال أن الدين يعلمنا التسامح. لا دين متسامحاً. تُفرض الجماعة الدينية على الفرد. تُصادره منذ الولادة. لا تتسامح تجاهه. هو عندما يشب عن الطوق لا يستطيع التسامح مع الآخرين. الآخرون هم أبناء الطوائف الأخرى. وأبناء الطوائف التي يفترض أن يهتدوا لأنهم لا يملكون الحقائق والإيمان الذي يخولهم الخلاص في الآخرة.
الطائفة عصبية محضة. قليل من أتباع الطائفة والمذهب من يعرف دينه. هو تعصّب فيه الكثير من الغباء وعدم التسامح. المولود في الطائفة يدافع عنها مهما كانت المواقف. لا يستطيع أن يكون موضوعياً تجاه طائفته. الطائفية بالنسبة له هي تعصّب الآخرين من أتباع الطوائف الأخرى. “نحن” أبناء الطائفة “غير شكل” أبرياء، موضوعيين، أطهار، ملائكة. الصراع الطائفي هو صراع الآخرين على أرض الوطن. وكأن الحرب الأهلية كانت مجرد حرب الآخرين على أرض لبنان، حرب لم يشارك فيها اللبنانيون.
الوطن، الجماعة المتخيلة، لبنان مركز الأشعار والنور، كما يحلو لنا أن نتبجح، هو بحر الظلمات التي تبحر فيه سفن الطوائف.
بارعون في الازدواجية والنفاق. نعلن الانتماء للبنان ذي الصورة نظيفة. نتصوّر لبنان مغايراً للحقيقة. نضمر الطائفية والعداء لجيراننا أبناء الطوائف الأخرى. النفاق هو أن نعلن غير ما نضمر. نجيد هذه اللعبة.
الطائفة ليست طريقة أخرى في ممارسة الدين وإداعاءات المحبة والتسامح. هي مؤسسة للفساد والسرقة والاحتيال. هي خارج القضاء. يكفي أن يضع قادة الطائفة، الدينيون والمدنيون، “خطاً أحمر” لكي يفلت أي مرتكب، مهما كان حجم ارتكاباته، من القضاء. الطائفية تضع أبناء كل طائفة فوق المساءلة والعقاب.
الطوائف تحمي المرتشين والمرتكبين والقتلة، بل هي تضعهم في مركز الزعامة، تحت عنوان حماية الطائفة.
للطوائف، ولا سيما طوائف المنتمين الى دين مشترك، بروتوكول “عدم اعتداء”. تتغيّر قواعد الاشتباك عندما يلوح تناقض المصالح الدينية.
في الحوارات الدينية والطوائفية يكون التركيز على جوانب التسامح والإخلاص، ولا يتطرّق البحث الى الجوانب المظلمة في كل دين. من ضمنها الاحتيال والنصب والتحرش الجنسي والانتهازية.
يتحوّل الدين على أيدي الطائفية الى مهزلة. يضطر كل فرد في الطائفة الى التصرّف حسب ما تمليه الجماعة لا حسب ضميره. الأخلاق هي أن يفكر ويمارس كل فرد حسب ضميره. في الطائفة وبسببها يسلم الفرد ضميره للجماعة ويفقد ملكة الأخلاق.
ليس معروفاً ما هي الدولة المدنية. المطلوب دين مدني. التعبير هو في الأساس “المجتمع المدني” كنقيض لمجتمع يحكمه الاقطاعيون، ثم استخدم التعبير في مناقضة نظام يحكمه العسكريون.
المجتمع المدني هو حيث كل واحد يستطيع أن يغيّر دينه كما يشاء، دون أن يحدث ردة فعل من الجماعة الطائفية أو الدينية التي خرج منها.
الله في المجتمع المدني لطف بما يعنيه ذلك من محبة وتسامح. بالأحرى، لا حاجة في المجتمع المدني للتسامح حيال من يرتكب جريمة الخروج على الدين أو الطائفة، لأن هذا الخروج ليس جريمة، بل هو أمر اعتيادي ولا يُنظر إليه باشمئزاز.
لا حوار بين الأديان، إذا يعتبر كل واحد هو الصحيح المطلق. من يؤمن إيماناً مطلقاً لا يستطيع أن يحاور ذوي الإيمان النسبي. الحوار يتطلّب التنازل عن الإطلاقية وعن اعتبار “أننا” على حق “والآخرون على خطأ”، وأننا نحن مطلق الخير أما الآخرون فهم الشر المطلق.
لا تقريب بين المذاهب. لكل مذهب مجموعة اعتقادات تميزه عن غيره، فهو عاجز عن التنازل عن هذا التمييز. هذا إذا لم يعتبر أصحاب المذاهب أن الدين لطف، والله لطف، والآخرة ليست حساباً على الخطايا.
الدين أو المذهب مشروع حرب إبادة. مهمة الدين الخلاصي إنقاذ البشر الآخرين من أنفسهم، وإذا لم يتم ذلك بالدعوة فيكون الأمر بالإبادة. التعبير المستخدم منذ عقود هو الإبادة الجماعية. هداية الآخرين أهم من العيش سوية.
يكثر الحديث عن المصالح (المادية) لكل دولة. لكن ذلك غالباً ما يتلاءم مع المصالح الايديولوجية. خلاص البشر أهم من العيش الكريم على الأرض. هناك عيش كريم موعود في السماء. الحقائق الافتراضية ربما فيها من أوهام خلاصية تتفوّق أحياناً كثيرة على الحقائق الواقعية.
كل طائفة عبارة عن تنظيم سياسي. من يعمل من رجال الدين في السياسة، تصبح الأولوية لصفته السياسية. يفقد صفة القداسة ويعامل كرجل سياسة لا كرجل دين.
لا حق للدين على الدولة. الطوائف تنظيمات للأخذ من الدولة ما هو غير حق لها. فصل الدين عن الدولة شعار زائف ما لم تُكف يد الطوائف عن السياسة.
الأمر أن يصير الدين مدنياً. تعبير الدولة المدنية لا معنى له. يصير الدين مدنياً عندما يتم اخراجه من المجتمع. للأفراد الحق بتغيير دينهم. لا يسجل الفرد على سجل الطائفة عندما يولد. يختار الفرد دينه عندما يكبر.
للتنظيمات الدينية (الطوائف) حريتها خارج اطار الدولة. ذلك ما يكفل الحرية الدينية.
نزع الطائفة من القيد الشخصي هو انطلاقة لنزع الطائفية من النفوس. ذلك يتطلب احصاءً سكانياً دون خانة للطائفة.
الدولة تدافع عن كل مواطنيها، عن كل طوائفها. لا يحق لأي طائفة الدفاع عن نفسها. دفاع الطائفة عن نفسها مقولة تعبّر عن خوف دفين. خوف من الأكثرية، حتى في بلد كلبنان، ليس فيه أكثرية لأي طائفة.
ما يسمى حلف الأقليات هو خوف طوائف تعتبر نفسها أقليات. خوف أساسه الوهم ضد الأكثرية من طائفة معينة. بلد ليس فيه أكثرية أو أكثريات.
تحالف الأقليات في لبنان هو ضد أكثرية سنية موهومة في المنطقة المحيطة. هذا يجعل الطائفة السنية ضحية وكبش محرقة. ليس الخوف من أهل السنة في لبنان بل الخوف منهم في المنطقة المجاورة حيث هم أكثرية بالفعل. في ذلك خروج على مقتضيات الدولة في لبنان.
لكل طائفة امتدادات في بلدان خارجية. الأمر لا يقتصر على السنة.
المشكلة ليست في أقليات وأكثريات. هي في تطلعات كل طائفة للحماية حتى من الخارج. على الطائفة، كل طائفة، أن تعتبر حدودها هي الدولة. بذلك تنتهي كل محاولة لتشكيل تحالف أقليات. تُحلُّ المشكلة إذا كان الانتماء للدولة لا للطائفة هو الأساس عند الجميع. ذلك أن تكون الأبصار والبصائر محدودة بحدود الدولة، وأن تكون الدولة هي النظام السياسي الوحيد ولا تنافسه الطوائف بتنظيماتها السياسية.
لا تناقض بين العلمانية والطائفية. لا تهدف العلمانية الى محو الدين. الطائفية أكثر تأثيراً في تغييب الدين لمصلحة السياسة. كل الممارسات الطائفية لا أساس لها في أي دين. مهمة الطائفية وضع الدين خلف الستار لممارسة النصب والاحتيال بانفصال تام عن الدين.
الحرية الدينية هي العلمانية. هي (الحرية) ما يجعل الدين خياراً شخصياً، بما في ذلك مستلزمات الإيمان. القيد الطائفي مع ولادة أي شخص هو ما يقيّد الحرية الدينية.
الحرية الدينية ليست حرية الطوائف بل حرية الأفراد، بما في ذلك احتمال تحرر الفرد من طائفيته. تشكل الطائفية خطرا على طوائفها، اذ غالباً ما تنقلب التحالفات بين الطوائف فتصير الطائفة الأقوى هي الأضعف.
تشكل الطائفة خطراً على وعي أتباعها، إذ يتكل أتباع الطائفة على زعمائها ويصيرون الى حال من الاستسلام الفكري والسياسي. العقل المستريح ينبت من رحم الطائفة.
الطائفة مسرح للغش والاستغلال. يناضل أكباش الطوائف من أجل الحصص ويصادرونها لأنفسهم.
تجد الطبقة الرأسمالية في الطائفة وسيلة ناجعة للتعمية في حين أنها تمارس ضروب الاستغلال. تستخدم وسائل التفرقة لجعل المجتمع عاجزاً في المطالبة بحقوقه تجاه الدولة والطبقة الحاكمة.
الطائفة بؤرة للثورة المضادة، حتى تتحرّك قوى وأحزاب طائفية تحرّض ضد الثوار معتبرة أن ما يحصل يشكل خطراً على الطائفة. ينشق عن الثورة فريق من الناس. تثار النعرات الطائفية بهدف إفراغ الثورة من مضمونها الجماهيري. كأن الطائفة والطبقة العليا على اتفاق مسبق بأن ما يجري خطر عليهما. يستخدم أكباش الطائفة أتباعهم لقمع الجمهور الثائر، بشعارات لا تعبر عن شيء إلا عن شعارات لا يفهمها أصحابها.
الطائفة أساساً تنظيم استبدادي. ما ان يولد الانسان حتى تسجله الطائفة على خانتها. هي بالأحرى تصادر الفرد وتحول بينه وبين فرديته وضميره. على الفرد أن يتصرّف ويفكر كما تملي عليه الجماعة الطائفية. مصادرة الأرواح على الأرض كما في السماء.
هذه ليست دعوة لمحو الطوائف بل لمحو الطائفية كتنظيم سياسي. المشكلة ليست في مدنية الدولة بل في مدنية المجتمع. لا دولة مدنية حين يبقى المجتمع مشكلاً من طوائف، وحين تكون الصراعات على الحكم بين الطوائف من أجل الحصص. تصير الدولة مدنية حين تتشكّل من أفراد وحين يتصرّف ويفكر هؤلاء بمعزل عما تمليه الطوائف وأكباشها. يجب أن تتحوّل الطوائف من تنظيمات سياسية الى تنظيمات مدنية أشبه بجمعيات المجتمع المدني التي ترخّص لها الدولة. في الدولة الطائفية، الطوائف هي المؤسسات السياسية؛ أشبه بالأحزاب، وهذه المؤسسات تشكّل الدولة.
دولة الطوائف هي دولة الرعايا لا المواطنين. الرعايا أتباع. المواطنون مشاركون في السياسة. المواطن بحكم التعريف هو الفرد الذي ينضوي في الدولة دون وسيط من طائفة أو غيرها. الدولة المدنية (مع طوائف سياسية) هي شكل آخر من الطائفية الموسعة ودوائرها الانتخابية.