ليس من التبسيط أو الاختزال المخل أن يقال: إن السلطة هي موضوع “الصراع” المفتوح الآن على مصراعي الشارع، وأنها “الهدف”، يهاجمها من هم “خارجها” أو على هامشها، ويذود عنها ويصدّ الحملات بكل أنواع الأسلحة أهلها والمستفيدون منها.
ولو كانت قوى الاعتراض “سياسية” فعلاً وغير ملتبسة في شعارها الطائفي،
ولو كانت اللغة “سياسية” فعلاً وبريئة من شبهة التعبير عن “حقوق” الطوائف والمذاهب.. لاندرج الصراع إذن، في سياقه السياسي الطبيعي بين السلطة ومعارضيها، وصارت الكلمة للانتخابات بوصفها الطريق الشرعي إلى السلطة.
السلطة هي الموضوع كائنا من كان العنوان، فالهجوم يستهدف أولا وأخيرا إعادة صياغة السلطة، من “الرأس”فيها إلى الصلاحيات وكيفية تقسيمها بين “الشركاء«، وحتى آخر مواقع النفوذ… وهل “الرئيس”متقدم بين متساوين، باللغة الكنسية، أم هو الملك المطلق أو الملك في نظام دستوري، أم “الرئيس القائد”والباقون معاونون ومنفذون؟
ولأن النظام طوائفي تكتسب السلطة أو تضفى عليها أهمية الضمانات لشركاء غير متساوين في الاحتياج إليها (نظريا)، ومن ثم فلا بد أن يعطى كل بقدر حاجته وعلى قاعدة: للأقل عددا المزيد من السلطة لكي يطمئن، أما “الأكثرية”فضمانتها في أعدادها وفي نظرتها لنفسها أنها بعض “الأمة”المنتشرة على مساحة بعض آسيا ورأس أفريقيا وحتى منابع النيل في قلبها!
السلطة هي الموضوع وهي الهدف، حتى لو تبدى من خلف الشعار المطلق والموقف المبدئي شبح الانشطار الطائفي.
السلطة هي الموضوع… ولكن العجز عن مواجهة ما هو سياسي بالشعار السياسي وبالعمل السياسي يضفي على الاعتراض ما ليس فيه من خطورة، ويضفي على السلطة ما ليس فيها من “قداسة«.
أحزاب بلا رؤوس أحيانا، أو بلا قواعد، غالبا، أو رؤوس بلا أحزاب، والأحقاد والأغراض والمصالح هي التي تصوغ الخطاب الأكثر “جماهيرية«، وليس التحليل الذي يمكن أن ينتهي إلى صياغة برنامج سياسي يدعى الناس إليه فيقبله بعضهم ويناضلون من خلاله، ويرد عليه الآخرون ببرنامج مضاد أو مختلف ويكون ثمة برنامج ثالث ورابع وخامس… ويستوي الصراع في سياق طبيعي بين قوى سياسية تأخذ برامجها بالاعتبار التكوين الطوائفي المتعدد للناس وتراعي حقهم بالتمثيل ومن ثم في السلطة كمواطنين.
المواطنية تجب الانتماء الطائفي، وتوفر من عناصر الثبات والاطمئنان إلى المستقبل ما يعجز عنه البرنامج الطائفي الذي سرعان ما يتحول إلى مصدر خطر على حامله كما على خصمه في المعسكر الطائفي الآخر المواجه.
فحيث تضعف السياسة تزدهر الطائفية، ويتحول الصراع على صيغة الحكم إلى مشروع فتنة مفتوح دائما على “المخاطر المصيرية«.
جزء من مقال نشر في جريدة “السفير” بتاريخ 9 نيسان 2001