هي مرة واحدة، قبل سنوات، تسنى لي ان التقي “السلطان التركي أردوغان”، في مقر إقامته في أنقره.
جاء الينا متهادياً، وهو ما زال يسرح شعره، ويطمئن الى ثنيات قميصه، ويمرر يديه على سترته، وينتبه الى نظافة حذائه، قبل أن ينظر الينا، ساطع نور الدين (المعجب) وأنا الذي نشأت يملأني الغضب والكراهية للسلطنة التي أذلت الأمة، باسم الدين، ثم باسم السلطان، ثم تكشفت كإمبراطورية عجوز يكره قادتها “العرب”، بل يحتقرونهم حتى الإذلال.
قلت لساطع: انه يعيش في الماضي، ولسوف يحاول أن يكون امتداداً مدنياً لأتاتورك. ان طريقه الى السلطة تشهد بطموحه البلا حدود. انه يريد أن يستعيد امجاد السلطنة، ولو بالقوة.
هز ساطع المعجب “بالسلطان” رأسه وقد فاجأته كلماتي.. بينما اضفت قائلاً: انه يكره العرب. ما زال ينظر إليهم كرعايا.
ذلك في الماضي، اما اليوم فالسلطان اردوغان يصول ويجول في المنطقة العربية من قطر العظمى إلى ليبيا المحطمة، متجاوزاً الحدود والسدود.. فيحط في الجزائر، ثم يزور تونس كضيف غير مرغوب فيه.
قبل ذلك وبعده، فان اردوغان يجند مجاميع اللاجئين السوريين الذين شردتهم الحرب من بلادهم، ليرسلهم “كمتطوعين” ليقاتلوا لحسابه في ليبيا، وكأنها ما تزال بعض املاك السلطنة ـ متحدياً بذلك السيسي في مصر، بل العرب جميعاً والشعب في ليبيا، اولاً وقبل الجميع.
أما الجريمة الاخطر التي يرتكبها اردوغان ضد العرب فتتمثل في تدخله الفظ في سوريا، حيث اقدم على احتلال بعض مناطقها، وتمركزت قواته في ادلب محتضنة بقايا “القاعدة” وغيرها من التنظيمات الارهابية.. وهو يقدم نفسه كراع لكل من يقاتل النظام في دمشق، مستفيداً من “تعب” الجيش السوري من قتال الارهابيين طوال السنوات الطويلة الماضية.
إن سياسات السلطان قد عقدَّت علاقاته مع اوروبا، خصوصاً وانه يستعلي عليها.. كما انه يحاول سرقة النفط السوري، والتمدد في قبرص مستفزا اليونان، والتعالي على اوروبا بعدما مدت روسيا خطوط الغاز منها إلى تركيا لتكون المعبر إلى الضفة الغربية في اوروبا.
إن “السلطان” لا يخفي غرورة وطموحه إلى استعادة امجاد “السلطنة”، من هنا فانه يتعامل مع “العرب” عموماً كرعايا. فيتجاهل دولهم ومصالحها، ويحاول فرض هيمنته على قرارهم: ينافق الاكراد في العراق، ويوثق علاقته بإسرائيل برغم الاهانات المتكررة التي وجهتها إلى سفيره فيها، ويستفيد من عدائها للعرب، وسوريا خاصة، فيتعامل معها كحليف، خصوصاً وهي تدأب على قصف السلاح الايراني في قواعده فيها.
ثم أن اردوغان يلعب مع روسيا بوتين من موقع الشريك الضروري لواشنطن، ويحاول الافادة من تضارب المصالح ليزيد رقعة نفوذه، مستفيداً من حاجة الطرفين إلى تركيا التي تمسك بالمضائق التي تحجز روسيا خلفها عن المشرق العربي بعنوان سوريا..
لا شك أن الظروف القائمة تخدم طموح “السلطان”: فسوريا غارقة في دماء اهلها، والعراق يكاد يتمزق في ظل صراع قواه السياسية والصراع الاميركي ـ الايراني عليه، و”الحياد” الذي يمارسه اهل السنة وهم يشهدون المنازعات بين الوجاهات الشيعية (الطبيعية او المصنعة) على سلطة لا سلطة لها في ظل الوجود العسكري الاميركي (والاوروبي) والنفوذ الايراني الكثيف، والتحريض التركي لأكراد العراق (بينما هو يضطهد ـ اهلهم واخوتهم في تركيا..)
مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الهَوَانُ عَلَيهِ ………….. ما لجُرْحٍ بمَيّتٍ إيلام!