ولدت جريدة السفير عام 1974 في زمن التحديات والنكسات وإرهاصات التغيير في الوطن والأمة، وكنت في حينها على مقاعد الدراسة الجامعية، أتطلّع مع غيري لغد أفضل، فالمقاومة الفلسطينية في بداية نهوضها، رداً على هزيمة 67، واستمرارا لبداية صحوة العرب عام 73، وثقتهم بقدرتهم على صنع الحياة، والصحافة اللبنانية آنذاك تعيش مخاض الصحوة والنكسة في آن، والكثير من رجال الصحافة والسياسة والاعلام أشفقوا على تمرّد الفتى الأسمر القادم من بقاع الخير، كيف؟ ولما ومتى وأين؟ موقع »السفير« وطلال سلمان، في عالم الصحافة اللبنانية التي كانت تختصر وتختزن هموما وخصومات وتحالفات الأنظمة العربية من الماء الى الماء.
وكان الجواب شعار طلال سلمان و»السفير« الذي اطلقه على شكل ملصقات في العديد من شوارع بيروت، وأزقة فقرائها، »السفير صوت الذين لا صوت لهم« وما أكثر اللبنانيين والعرب وحتى المسلمين المحاصرين، والذين لا صوت لهم يسمع في دنيا المال والاعلام ومافيات البترودولار، وكان التحدي كبيرا ان تقول لا في زمن النعم، وان تُنجد او ترفع او تُسمع صوت الذين لا صوت لهم في هذا التيه العربي الغارق بين الضباب.
ثلاثون عاماً من السباحة بعكس التيار، الكل يريد »السفير« رقما متواضعا بين أرقام صحافة السلطان. وحده طلال سلمان ومن معه من الاصدقاء ارادوا »السفير ملتصقة« بالأرض والإنسان والقضية، قضية الوطن والمواطن، قضية الحرية والوحدة بين الاقطار والامصار العربية التائهة في صحراء العرب، والهائمة خلف سراب التسويات الوهمية.
رفضت »السفير« ومعها طلال سلمان في افتتاحياته وتحليلاته كل المدارس القطرية والمناطقية والطوائفية، وأصرّ ان تكون »السفير« صوتا اعتراضيا لكل العرب والمسلمين من المحيط الى الخليج. ف»السفير« وفتاها مع القضية الفلسطينية وكل قضية عربية او إسلامية، وبقي فتى »السفير« وشيخها متمردا وثائرا على كل الفتن والاتفاقات المنفردة او المجتمعة مع الكيان الصهيوني، فجسدت »السفير« وعلى مدى ثلاثين عاما شعارها قولا وفعلا بأنها صوت المواطن العربي، لا النظام العربي، وصوت آمال وآلام العرب في حواضرهم وبواديهم، فتجاوزت »السفير« مع فتاها الأسمر طلال سلمان كل الحدود الوهمية والحواجز المصطنعة بين اقطار الوطن العربي، رغم الاعتراضات الكثيرة من هذا النظام او ذاك، فكانت للمثقفين العرب والمسلمين واحة حرية، وللمواطنين الفقراء سيفا مسلطا يحمل رسالة الأمل والحرية والعدالة في امتلاك ثروات ومقدرات الأمة.
ثلاثون عاماً من العرق والدموع والآلام عاشها العرب في لبنان وفلسطين والعراق وفي معظم اقطارهم، وحدها »السفير« ومعها القليل القليل من صحافة العرب عاشت الوجه الآخر لقضية الإنسان العربي الغريب في وطنه وأرضه، وهو يواجه التحدّي ويرفض الظلم والعدوان والانصياع لتعليمات الغازي الأميركي والمستوطن الصهيوني، في الوقت الذي كان فيه العديد من الصحافة الصفراء، يعيش اوهام مشاريع المتوسطية والشرق أوسطية الكبيرة والصغيرة.
وكما أشفق الطيبون على »السفير« وفتاها منذ ثلاثين عاما، فإن المحبين ما زالوا يشفقون على »السفير« وشيخها الفتى، فهو ما زال مع سفيره كما كان رافضاً شعار »لا لكل ما حولنا وفي امتنا من اخطاء وخطايا« في زمن التسابق نحو البيت الأسود لارضاء واسترضاء هولاكو الأميركي، وفي زمن التيه العربي، حيث تحوّلت عاصمة الرشيد الى قاعدة متقدّمة للاحتلال الأميركي، بعد تنصيب بضع (قرضايات) ليشكلوا واجهة مخزية لحكم المندوب السامي الأميركي بريمر، وتحولت عواصم عدة عند العرب والمسلمين الى محميات للغازي الأميركي، الذي لا يريد ان يسمع إلا بالاذن الصهيونية او يرى إلا بالعين التلمودية، ولا حاجة لديه، لاجتماع عربي او جامعة عربية، بل يأمل وأمله أوامر، ان لا يسمع كلمة باسم الله، او آية من آيات الله تتلى في افتتاح الرسائل او اللقاءات، إن عُقدت ولا بأس لديه ان تُفتتح الاجتماعات او اللقاءات العربية والاسلامية، إن سُمح بها، بنفخة بوق لحاخام يهودي قادم من المجهول.
تحية ل»السفير« وفتاها الشيخ في ذكرى تأسيسها والتي أرادها طلال سلمان مناسبة للمراجعة النقدية للدور والمهمة والشعار، فلتطمئن »السفير« وشيخها الاسمر بأن المواطن العربي والمسلم لا زال قادراً على المقاومة والرفض، وستبقى »السفير« صوت الذين لا صوت لهم في دنيا العرب والإسلام.
خلدون عريمط
السفير، 842004