أمس، أطفأت جريدة «السفير» شمعتها الأربعين، محتفلة بأربعة عقود من العمل الصحافي المليئة بالمحطات الغنية والمميّزة. في 26 آذار (مارس) 1974، صدر العدد الأوّل من الصحيفة اللبنانية، حاملة شعارات عدة، أبرزها «صوت الذين لا صوت لهم»، و«جريدة لبنان في الوطن العربي وجريدة الوطن العربي في لبنان».
لم يكن عمل المؤسسة سهلاً في البداية، إذ كانت عرضة لمواجهات قضائية عدة، تزامنت أولاها مع صدور عددها الثاني، قبل أن تتوالى الدعاوى، حاصدة 16 منها في عامها الأول.
خلال مسيرتها، مُنعت «السفير» من الصدور ثلاث مرات بموجب قرارات حكومية، كان آخرها عام 1993 حين صدر قرار قضائي بتعطيلها لمدة أسبوع بتهمة «نشر وثيقة تتضمن معلومات يجب أن تبقى مكتومة حرصاً على سلامة الدولة». الموقع الرسمي للصحيفة يتطرّق إلى طبيعة المعلومات التي تضمنتها هذه الوثيقة، مؤكداً أنّها «الترجمة العربية للاقتراح الإسرائيلي الذي قدّمه رئيس الوفد الإسرائيلي المفاوض مع لبنان إلى الوفد اللبناني في واشنطن». هذا القرار قوبل باعتراضات واسعة يومها، وحظيت «السفير» بتضامن شعبي من مختلف التيارات السياسية، كما تم على أثره تعديل قانون المطبوعات، فمُنع تعطيل الصحيفة قبل صدور الحكم بالإدانة، كما مُنع توقيف الصحافيين احتياطياً.
وعلى خط مواز، وقعت «السفير» ضحية محاولات ترهيب عدة، تمثّل أهمّها في نسف مطابعها عام 1980، فضلاً عن استهداف مبناها الكائن في منطقة الحمرا في بيروت بعدد كبير من الصواريخ والعبوات الناسفة خلال الحرب الأهلية (1975 ــ 1990).
الصحيفة التي أسّسها طلال سلمان، لعبت دوراً كبيراً أثناء الحروب التي عصفت بلبنان خلال العقود الماضية، فقد كانت الصحيفة اللبنانية الوحيدة التي لم تتوقف يوماً واحداً خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، على رغم أنّ توزيعها كان محصوراً في شوارع العاصمة بسبب الحصار الذي فرضه العدو.
كثيرة هي الأسماء التي احتضنتها «السفير» آتيةً من عالم الفكر والمسرح والصحافة والأدب والشعر والسينما. نذكر على سبيل المثال: ياسين الحافظ، سعد الله ونوس، عبد الرحمن منيف، جورج قرم، مصطفى الحسيني، بلال الحسن، ميشال كيلو، أنيس صايغ، رفعت السعيد، فهمي هويدي، صلاح الدين حافظ، كلوفيس مقصود، جوزف سماحة، هاني فحص ويسري نصر الله. أما رسام الكاريكاتور الفلسطيني الشهير ناجي العلي، فقد أغنى صفحات الجريدة لسنوات.
لا تكتفي «السفير» بنسختها الورقية التي تغطي الأحداث لبنانياً وعربياً وعالمياً، بل تصدر أيضاً مجموعة من الملاحق الأسبوعية والشهرية. كل أسبوع، تصدر المؤسسة الأربعينية ملاحق هي «صحافة العدو»، و«أفكار وأخبار»، و«شباب»، و«السفير الثقافي» و«السفير العربي»، و«حكايات القاهرة»، من دون أن ننسى أنّها أصدرت في 2011 مجلة «فلسطين» الشهرية، كما وزّعت مع عددها الصادر اليوم ملحقاً جديداً بعنوان «السفير الفرنكوفوني» (انظر الكادر) بعدما احتفلت أمس بعيدها الأربعين.
بعد 40 عاماً على إطلاق الصحيفة، اعتبر رئيس تحرير «السفير» ورئيس مجلس إدارتها طلال سلمان أنّ تأمين استمرارية الصحيفة لكل هذا الوقت يعتبر «مهمة شاقة»، وخصوصاً في «بلاد كالتي نعيش فيها»، مشبهاً المسألة بـ«العملية الاستشهادية».
في ظل كل الضغوط السياسية والمالية التي تعانيها الصحافة المكتوبة، أمل سلمان «أن نستطيع حماية ما تبقى من هذه المهنة، ونزرع الإيمان داخل الأجيال القادمة بأنّ للكلمة دوراً أساسياً في التغيير وفي تشكيل الوعي السياسي عند المواطن العربي، وفي مواجهة الحروب والتخلف».
من جهته، قال المدير العام المساعد أحمد سلمان لـ«الأخبار» إن حملة «اكتب حلمك» التي أطلقتها «السفير» أخيراً عبارة عن محاولة لـ«الحلم بمستقبل أفضل في ظلّ كل ما يحيط بنا»، مشدداً على أنّها تلقى رواجاً كبيراً بين القرّاء الذين يشاركون بكثافة في تخيّل عناوين الصحيفة بعد 40 عاماً من الآن ثم كتابتها، علماً بأنّها تُنشر في العدد الخاص الذي يصدر كل اثنين. ويوضح سلمان أنّ الصحيفة تحاول مواكبة التطوّر التكنولوجي وخصوصاً الإعلام الافتراضي لتوسيع قاعدتها الشعبية. في كانون الأوّل (يناير) الماضي، كشفت «السفير» النقاب عن الشكل الجديد لموقعها الإلكتروني (17/1/2014).
لم تكمل سناء الخوري عامها الثاني في «السفير» بعد، لكن هذا الوقت القصير كان كفيلاً بأن يضيف الكثير إلى تجربة الصحافية الشابة الآتية من جريدة «الأخبار». «في «السفير» يشعر المرء بأنّه يعمل في مؤسسة عريقة جداً، ما يؤثر على مقاربته للمهنة عموماً»، تقول قبل أن تضيف: «لهذا المكان تاريخ كبير، وبالتالي فهناك تراكم تجارب، علينا المحافظة عليها».
نادين كنعان