ليست المناسبة للاحتفال، لا في لبنان ولا في الوطن العربي. ولكن «السفير»، التي لم تعتد الاستسلام، حالها حال «بيروت الأميرة» التي احتضنتها، تصر على الاحتفال مع قرّائها بمسيرة صارت جزءاً من سيرة البلد. لم تبلغ عامها الأربعين متهادية في حقل مليء بالزهور. بين الأشواك المزروعة في كل العواصم العربية، كبرت. في 26 آذار من كل عام كانت تأمل، كما كل الشعوب العربية، أن يحل الربيع، فلا يأتي. مع ذلك، لم تفقد الأمل يوماً، وبعد أربعين عاماً صار الأمل أكبر. صارت ترسم أحلاماً لـ40 سنة آتية علّها تنتشلنا من الحاضر المؤلم. ليس في ذلك هروب. لم تعرف «السفير» يوماً معنى الهروب. ظلت واقفة في وجه الموت الذي تربّص بها، برئيس تحريرها، من أكثر من جهة. وهي كما أبت أن تستسلم أمام من أراد أن يطفئ كلمتها، إن كان بالمصادرة والمنع أو بالرقابة المتعسّفة أو بمحاولات الاغتيال، تأبى أن تستسلم للإحباط الذي تحول إلى سم يراد لنا أن نشربه.
في الزمن الرديء، حيث الأمراض تفتك بالجسم العربي، وحيث تندثر السياسة بمعناها النبيل لتحل محلها الصراعات الطائفية والمذهبية والنفطية والاثنية، لن تغيّر «السفير» موقعها. ستبقى أمينة لكل القضايا التي حملتها، وفي مقدمتها فلسطين البوصلة، ومن خلفها المقاومة، كل مقاومة، من دون أن يغيب عن قلمها السعي الدائم لرفعة الإنسان وحقوقه، لاسيما في لبنان. هنا حيث الطائفية أقوى من المواطنية، وحيث المؤسسات مشاع لهذا الزعيم أو ذاك، وحيث المرضى يموتون على أبواب المستشفيات، وحيث الفلسطينيون يحرمون من أبسط مقومات العيش بحجة حق العودة، وحيث العنصرية تزيد على بلاء النازحين السوريين بلاءً، لا تبحث «السفير» عن المستحيل في أحلامها ولا تؤمن بالمعجزات. جل ما تسعى إليه هو أن تبقي صوت الذين لا صوت لهم مرفوعاً، بانتظار من ينقلها إلى الواقع.
في العيد الأربعين، أبت أسرة «السفير» إلا أن تحتفل، مع قرائها بالدرجة الأولى، ومع الكثير من الأصدقاء، وزراء ونواب ومثقفين وسفراء وفنانين وزملاء، لاقوها في «البيال»، ليفرحوا مع جريدتهم. شاركوا «السفير» العيد، ليرد رئيس تحريرها الزميل طلال سلمان التحية بمثلها، شاكراً «من وفّر لنا فرصة الحياة وسط غياهب الموت بالمصادرة والمنع من الوصول إليكم، في لبنان كله، وبيروت ـ الأميرة. الشكر كان أيضاً لطرابلس وصيدا وصور وجونيه، لبعلبك وجبيل، لزحلة والهرمل، لراشيا وجب جنين وشبعا، لعاليه، لبعقلين ودير القمر، للقبيات وبينو والمنية وحلبا وكل منطقة من لبنان».
لم ينس سلمان تحية «الحياة السياسية بنجومها المختلفين الى حد إجبارنا على الوقوف دائماً على حافة الحرب الأهلية، والانتصار عليهم بعدم الاندفاع الى خوضها لحسابهم، وأيضاً رفاق الطريق والجهد والعرق من أسرتي في « السفير»، ولأصدقائنا وزملائنا من رفاق السلاح المفكرين العرب الذين زادوا رقعة النور بمساهماتهم، وللقارئ الذي رافقنا طوال الرحلة أو انضم إلينا في ما بعد».
ولأن لـ«السفير» دوراً ورسالة، لم تتوقف عطاءات أبنائها عند حدود، فكان ملحق «فلسطين» الشهري، و«السفير العربي» الأسبوعي، وكانت مجلة «معلومات» حتى لا ننسى، وكان أحدث طبقات عمارتها «السفير فرانكوفون»، بإشراف الدكتورة ليلى بركات.
ايلي ميشال الفرزلي
السفير، 2732014