تتهاطل الاسئلة كمطر كانون الثاني: إلى أين من هنا، بعد اغتيال المجاهد الايراني قاسم سليماني في جريمة اميركية علنية في قلب بغداد؟!
لقد كان هذا البطل اسطوري السيرة وكأنه احترف قتال الاستعمار (الاميركي تحديداً، والاسرائيلي ضمنه) في اربع رياح الارض العربية والاسلامية: (من لبنان إلى افغانستان، مروراً بسوريا والعراق واليمن وفلسطين، وصولاً إلى بعض عواصم اوروبا وانتهاء بأميركا اللاتينية..)
كان يظهر في امكنة عدة في الوقت نفسه، كأن زمنه غير ازمنة الناس، كما كانت قراراته تتجاوز الحسابات التقليدية، ولذلك خرجت “مدرسته” نخبة من ابطال المقاومة في انحاء مختلفة من العالم.
كان خليطاً من الخميني، بإيمانه، وكاسترو بدقته في تحديد ساعة الصفر، وتشي جيفارا بشجاعته النادرة والنظر إلى العالم كساحة مواجهة مفتوحة مع الامبريالية بعنوانها الأميركي وبرئيسها المضارب في البورصة: الربح له اما الخسارة فعلى بلاده جميعاً.
لعل سليماني لم يحمل السلاح، ولكنه خرَّج بعض أعظم الابطال في مقاومة الظلم والاستعمار، جديده الامبريالي، وقديمه الذي تحول إلى “دليل” لمكامن الثروة، واحتمالات تفجر ثورات الشعوب في أربع جهات الارض.
كان البطل، الشهيد بسيطاً في حياته، مسلكاً وملبساً، مثل سماحة السيد حسن نصرالله.. متواضعاً مع المجاهدين الذين امنوا بقدراته فاتبعوه، كان رجلاً لا يبحث عن المجد، لكن المجد يأتيه صاغراً لأنه يفكر ويخطط ويجري حسابات دقيقة للمواجهة مع اعداء رسالته: لم يغدر بالعدو الاسرائيلي، بل قاتله مواجهة والعين بالعين والبادئ أظلم.
لم يعترف يوماً بالحدود، بل تعامل دائماً مع “الأمة” كما وصفها رسول الله النبي محمد، وكما شرح عنها القرآن الكريم: “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً لتعارفوا إن اكرمكم عند الله اتقاكم”.
وكما اعتبر احرار العالم تشي غيفارا بطلاً ومثلاً اعلى في نضالهم من اجل تحرير ارضهم وارادتهم وبناء غدهم الافضل، بغير اهتمام بالحدود الجغرافية، كذلك فان الناس، مجاميع الناس، نظروا الى قاسم سليماني على انه بطل يخصهم جميعاً، وانه يقاتل من اجلهم جميعاً، وان كانت هويته ايرانية وشعاراته مستمدة من الدين الحنيف.
وكما بقي تشي غيفارا رمزاً ومثالاً يقتدى في أربع رياح الارض، كذلك سيبقى قاسم سليماني رمزاً ومثالاً لمن يسعى الى تحرير الارض والارادة وبناء الغد الانساني الافضل.