كتب نصري الصايغ:
نعرف من أين جئتم. نعرف من أنتم. من أي أرومة حزبية خلفكم. تشبهون الدمى او لا تشبهون احداً منا. لستم منا ومعنا. من سيماتكم عرفناكم. ابتساماتكن وابتساماتكم لا تشبهنا. ولا واحد بدا انه يحمل هماً او عبئاً. مبسوطون أنتم. المنصب حرزان. وزير او وزيرة لزمن آخر. لم نكن نتوقع ذلك. إنه لأمر سيء جداً. لبنان يتوقع جنازته، وأنتم لستم على مرمى قلق او حزن او هم. الأفظع، انكم تشبهونهم كثيراً. البعض منكم بدأ مهنته بقبضته. هو عسكري جداً. سياسته، القبضة الحديدة. آخرون، لا حول ولا قوة. ومع ذلك لا بد الكلام عنهم، لا معهم.
انهم يسطرون بياناً وزارياً، قالوا فيه، انه سيكون مختلفا. لن يكون مجرد جمل انشائية، ومواعيد وهمية، ووعود مستحيلة. قيل: سيتواضعون نصاً، ولكننا، إذا تعمقنا قليلاً، نجدهم إلى جهة العجز أقرب من جهة الإنجاز. النأي بالنفس ليس من اختصاصهم. سيرثونه بحرفيته. ليس عندهم أفضل من صيغة حياد الدولة والحكومة، والحفاظ الحزبي على المحاور. سيرضى الغرب بذلك على مضض، اما العرب فيطالبون أكثر. يريدون اقصاء فريق بعينه، وإلا، فان الصناديق ستبقى مقفلة. رئيس الحكومة متحمس لزيارة دول الخليج. زارها قبله سعد الحريري. عاد بخفي حنين. ما الذي تغير في لبنان كي يرضى مالكوا النفط؟ لا شيء. انهم يعرفون أن هذه الحكومة محكومة. والحكومة الحقيقية لا تزال مفاتيحها في زنار الاحزاب التي لونها واحد، وغير مرضي عنها. أما العرب، فهو ينتظر الرضى الاميركي الذي يتأخر. يريد من الحكومة أن تبرهن انها حكومة اصلاح، وحكومة حياد، وحكومة تنأى عن المقاومة، او تبعد عنها محور المقاومة، وكل هذا تراث لبناني لا مندوحة منه وفيه.
هذه الحكومة المحكومة، ملعبها ضيق جداً. وهي غير محظوظة البتة، برغم أن وزراءها قدموا كورقة يانصيب وضربة حظ. صحيح انهم لم يكونوا سبباً في انهيار لبنان. ولكنهم وكلاء شرعيون عمن تسبب بهذا الانهيار المريع الذي بلغ حد التجويع. الجوع يزحف والعاقبة وخيمة، لا تنفع معه خراطيم مياه الداخلية، الذي ظهر وكأنه قادم منتصراً من حرب العلمي، وصرح انه الاكثرية والشعب اقلية. رجاء عالجوه بسرعة، قيل أن .. الجنون فنون.
لو كان علينا أن نصارح الحكومة لقلنا لها: الانتفاضة ليست ممثلة في الحكومة. عقل الانتفاضة أكبر بكثير من عقول المعينين فيها. من اولهم إلى اسفلهم. ومع ذلك، لا بد من تسجيل بعض النصح الايجابي وليعذرنا من هو في الحكومة، ونعرفه ونوده ونحترمه، طبعاً قبل انتمائه إلى عصبة السلطة فهذه الحكومة ضدنا… خطاب رئيس الحكومة اسمعنا كلاماً لا يتطابق مع واقع حال الحكومة. قال انه سمع صوت الحراك واشاد بنفسه لأنه سيستوحي الحراك، لكن حكومته جاء بها ثلاثي متين الاركان، ثلاثي كان منذ اليوم الاول ضد الحراك دائماً، في الميادين والساحات والسياسات ووسائل اعلامه الخاصة. “الحوب” و”التيار” و”امل” ضد الحراك دائمً وبكل الوسائل. والحكومة في معظمها تمثل هؤلاء. فمن يصدق أن هذه الحكومة تستجيب لمطالب الحراك؟ فقط من كان في مرتبة الغشمنة يصدق ذلك. وعملياً، القمع صار أقسى. الانعزال خلف جدران الاسمنت صار اضمن. التذاكي صار لغة.. ولكن النهاية بدأت مع بدايتهم.
فلنفتح الابواب قليلاً. نسأل اصحاب “المعالي”. هل تستطيعون وقف الانهيار؟ من سيمنحكم المليارات؟ هل ماكينزي يكفي؟ ماذا عن سيدر؟ ثم مرات عديدة: اعلمونا في بيانكم الوزاري عما يلي: هل الكهرباء إلى نقصان وكم والى متى؟ لأن الزيادة منعدمة؟ هل سعر الدولار سيتوقف عند سقف ما، ام هو حر لأن اقتصادنا العكروت حر ايضاً؟ متى تعود السيولة إلى جيوب المعترين ويتم محاسبة ناهبي العملة الصعبة؟ هل تجرأون؟ لا والله وألف لا. ثم، كيف ستكافحون البطالة؟ هل لديكم عداد يرشدنا إلى نسبة الزيادة في العاطلين عن العمل؟ ماذا عن المؤسسات التجارية والمدرسية والجامعية؟ من اين الاقساط؟ كم مدرسة ستقفل ابوابها، وكم مدرس واستاذ سيطلق الكتاب و”اللابتوب”؟ لا نسألكم طبعاً عن النفايات الدسمة والمربحة، ولا عن الكسارات التي جرفت “لبنان” يا اخضر يا حلو… ولبنان يا قطعة سماً. كما لن نأتي على ذكر الفساد. اياكم أن تغلطوا وتكتبوا نصا ضد الفساد. يا اخوان، الفساد دين الدولة ودين كهانها وسادتها وشيوخها واحزابها. الفساد اوكسجين الحياة المالية. اياكم والفساد. انه يغلبكم. اعمدة الهيكل اللبناني كلها بيد الفاسدين. التفتوا خلفكم ” تنقوزوا” على الذين كانوا سببا في توزيركم” العمى”. ثم ايضاً، لا تفكروا باستقلال القضاء. رجاء لا تمدحوهم ابداً. لا تقولوا لنا كم آدمي بينهم. هذا لا ينفع. ولا لص حتى الآن خلف القضبان ولبنان كله منهوب.
اياكم أن تساوركم انفسكم عن خطط للسير. ولا تأتوا على ذكر وقف الهدر في المرافق العامة والمرفأ والمعابر؟ المطار، انسوا الاملاك البحرية والنهرية والبرية هذه بمقام الاوقاف السياسية لزمرة الحكام ومن معهم ومن حولهم. وهي موزعة بالقسطاس بينهم تناسوا شعار من اين لك هذا. لا تأتوا على ذكر استصدار قانون ينص على الشبهة. الفساد لا يحتاج إلى تحقيق ووثائق واوراق ثبوتية من املاكهم وقصورهم وأعراسهم تعرفونهم. الناس تلهج بأسمائهم عالياً. والفاسد في لبنان، كان قبل الحراك، يسير في الشارع متباهياً، كما قال ذات مقال الدكتور غسان سلامة… الفاسد يتبهور بفساده. طبعاً، أنتم “مش قدها”. لا تحاولوا التدليل على فضائح التربية والجامعة اللبنانية. رجاء، اقنعوا الصناديق بأن تكون حراستهم اقل وحشية. يا واش يا واش. الصناديق. لولاها، لما كانت الادارات متخمة بالمحاسيب الا أن المخفي أفدح. ليس صحيحاً أن من سماكم وزراء، وحتى من لم يسمكم، يده ليست طايلة، لكل زعيم، رصيد فساد في الادارات. الم تلاحظوا أن الوزارات الدسمة عادت “لأصحابها” الكهرباء، الاتصالات، المال، الاشغال، ال.. ال.. حتى من هم في حالة حرد حكومية، لهم حصتهم التي لا تمس. والناس حفظت غيباً أن الادارات اوكار فساد، اسيادها هم اسياد الوزارات منذ ثلاثين عاماً. اما البلديات فمن المعيب فتح دفاترها.
اكتفي بهذا القدر لأن البقية تحتاج إلى صفحات.
ومن المتوقع أن يكون بيانكم الوزاري مختلفاً، ولكني متأكد، كما الانتفاضة ايضا، أن فرحتكم معدومة. جئتم في زمن سيء جداً. لا نحسدكم، حتى ولو قلتم سنتمرد على من سمَّانا واتى بنا، فإنكم لن تستطيعوا شيئاً، الا إذا إنحزتم إلى الانتفاضة، التي هي سند الاصلاح والتغيير. من دونها، ستكونون على دين ملوككم. يا للخيبة.
كنا نأمل، منذ اللحظة الأولى، أن تنحازوا إلى اهلكم في الساحات. لم تفعلوا لذا، لا ثقة بكم ابداً. بل اننا نخشى أن تعاملونا، بوصفات يدبجها وزير الداخلية الجديد هدفه أن يخيفنا.
نحن لا نخاف ابداً. عصر الخوف قتلناه. الغد لنا.
وراكم والزمن طويل.