كل حكومة في لبنان هي «حكومة دولية»، تماماً كما أن كل رئيس لهذه الجمهورية هو «رئيس دولي أو مدوّل». قد تختلف نسب الشراكة فتكون الأكثرية للأقرب والأعظم نفوذاً (سوريا في الماضي مع السعودية التي تستبطن أميركا أو تستبطنها أميركا، ومصر جمال عبد الناصر وضمنه سوريا إلى جانب حصة أميركية بين منتصف الخمسينيات وحتى نهاية الستينيات) وتكون للغرب حصة شائعة (فرنسا من قبل، ثم فرنسا وبريطانيا لفترة ثم الولايات المتحدة الأميركية منفردة مع جائزة ترضية لفرنسا… ورسالة تطمين لإسرائيل).
وكل لبناني يصلح لأن يكون رئيساً، وكل لبناني يصلح لأن يكون وزيراً من حيث المبدأ.. لا تهم مهنته قبل توزيره، وليس وارداً أن يناقش توزيع الحقائب بحسب الاختصاص عند التشكيل! التشكيل يقبل ـ بطبيعته ـ الأصناف جميعاً، فالأصل هو الانتماء الحزبي أو التوجه السياسي (!!) فيكون الطبيب وزيراً للصناعة، وصاحب المصرف وزيراً للثقافة، والمعلم في المدرسة الرسمية وزيراً للاتصالات، والصناعي وزيراً للدفاع… أما رجل الأعمال فيمكنه أن يتولى أية حقيبة إذ يفترض فيه أن يفهم في أي مجال وكل مجال. المهم أن يحصل أي من هؤلاء وأمثالهم على حقيبة أية حقيبة، وهو سيملأها بإنجازاته الباهرة.
ثم إن «العالم» جميعاً يشارك في تشكيل الحكومة الدولية للبنان، بعضه عن قُرب، وبعضه الآخر عن بُعد.. والحمد لله إن أسباب التواصل والاتصال قد سهّلت الأمور إذا ما أشكلت على السفراء المعتمدين في بيروت (وبعضهم قد يمتد ظله إلى عواصم أخرى…).
اللافت أن الشعب اللبناني العظيم يعتبر هذه المشاركة الدولية من علامات التسليم بعبقريته والأهمية الاستثنائية لدولته التي تكاد تضيق به وعليه ولا يتحرّج من الاعتراف بأن مواقع القرار في موطن الأرز تمتاز بأنها «دولية» لكل قادر فيها نصيب.
كيف يمكن للمواطن (في حال وجوده) أن يحاسب حكومته الدولية هذه؟! هل هو مجلس الأمن الدولي؟!
.. وفي حالة الحكومة الجديدة التي أمكن استيلادها قيصرياً.. فإن تمنيات «من لهم علينا الخاطر» قد يسّرت الأمر، مع وعي المعنيين أن بعض «الأصدقاء» سيعتبون وأن بعضاً آخر سيغضبون، وستمكن المعالجة لاحقاً وبعد إنجاز المهمة الشاقة التي ينتظرها العالم.
ـ هي حكومة شهور، فلا بأس إن وُلدت وفيها بعض التشوّه.
ـ ولكنها تطلّبت عشرة شهور و أيام.. فهل تستحق مثل هذا العناء والحروب التي استخدمت فيها الأسلحة جميعاً، الطائفية والمذهبية، الجهوية والمناطقية، التشهير والتكفير، التخوين و«التمنين»؟!
ـ كل هذا لا يهم… المهم أن الإنجاز باهر! ها قد غدا لكم حكومة مؤهلة لاتهامها بالعجز والقصور. ومَن عمل على ولادتها كان يهتم باستيلاد معارضتها معها، وهذا هو الإنجاز الأخطر. مَن كان يستطيع التصور أن بالإمكان، وفي لحظة الاحتدام السياسي ـ الطائفي ـ المذهبي في المنطقة جميعاً، أن تشكّل حكومة يرحّب بها الأميركان ولا تعترض عليها طهران، وتستقبلها فرنسا بالتهليل من دون أن تغضب دمشق، وتهنئ على إنجازها موسكو من دون أن تستفز السعودية التي تنظر إلى ذاتها على أنها «القابلة القانونية» لهذه الحكومة الدولية؟
«كله تمام»… تمام التمام، وها هي بيروت تعود إلى رئاسة الحكومة الدولية، بعد غياب طويل.. وسينسى الناس كيف تمت الولادة إذا ما أثبت «المولود» أنه قابل للحياة، ولن يقتله الشركاء في استيلاده، إذا ما اختلفت الحسابات غداً على أبواب «معركة العصر» التي سوف تقرّر مَن هو القادم الجديد إلى القصر الجمهوري ..تعدّون؟!
نشر هذا المقال في جريدة “السفير”بتاريخ 17 شباط 2014