نزلت الجماهير العربية بملايينها إلى «الميدان» لتنجز ثوراتها ضد أنظمة الطغيان، فتبدت وكأنها في الطريق إلى فلسطين، مرة أخرى، برغم أن شعاراتها قد خلت من الإشارة إلى العدو الإسرائيلي مباشرة.
تعرف الجماهير أن الطغيان حليف للاحتلال، ولو من دون معاهدات. من قهر شعبه مستظلاً بالحماية الأميركية لا يمكن أن يقاتل إسرائيل.
فلسطين والثورة وجهان للقضية الواحدة. هذا ما استقر في وجدان الجماهير العربية. منذ 1936 والشعب الفلسطيني يجاهد لحماية حقه في أرضه. وعندما استكمل العدو الإسرائيلي احتلاله فلسطين سنة 1967 كان شعبها يندفع ـ من خارجها ـ لاستعادة حقه فيها بالكفاح المسلح، مستنداً إلى روح المقاومة في الداخل.
بعد خروج مصر من الميدان بالصلح المنفرد مع العدو الإسرائيلي سنة 1979 افتقدت فلسطين السند الأقوى كما فقدت لغتها الجامعة عربياً، وتوالت الانتكاسات: خروج منظمة التحرير قسراً من لبنان، الدخول متسللة إلى مؤتمر مدريد، ثم الاندفاع باليأس إلى الاتفاق المنفرد مع العدو الإسرائيلي تحت الرعاية الأميركية في أوسلو (1993).
كانت الذريعة: ان الثورة في الخارج يتيمة وعبء على «الدول» التي لا تقبلها إلا كلاجئ سياسي. وكان التعب قد نال من القيادة فأعجزها أن تكمل في الداخل بمن حضر.
لكن مقاومة الشعب الفلسطيني لم تتوقف مع استيلاد «سلطة بلا سلطة» فوق أرض تذوَّب يومياً بالمستوطنات المتوالدة والمتزايدة سرطانياً ليكتمل بها بناء «دولة يهود العالم الديموقراطية» والتي ستفرض على أصحاب الأرض خيار إلغاء هوياتهم وحقوقهم وتاريخهم لتقبلهم ـ بعد أداء قسم الولاء ـ كرعايا طارئين يمكن طردهم في أي وقت.
والشعب الفلسطيني مستمر في مقاومته وإن تعددت جبهات المواجهة مع الذات، مع السلطة التي صارت سلطتين وكادت تجعله «شعبين» من دون ان ننسى «الشعب الثالث» في «الداخل» فضلاً عن «الشعوب الفلسطينية» في الشتات.
هذا العدد من «فلسطين» عن أشكال المقاومة التي استولدتها الضرورة في «الداخل»، في مواجهة «السلطتين»، غالباً، وبهما أحياناً.
انــه كشف بأشكــال المقاومة المختلفة، سياسياً ومدنياً، أكاديمياً واقتــصادياً فــضلاً عن المقاومة المسلــحة التـي لمـا تقــرع جــرس الانصراف لمجاهديها، فضلاً عن المشاركة العربية «بالمقاطعة» التي، باتت مفرغة من مضمونها.
ومؤكد ان شعب فلسطين لن يتأخر عن استكمال مسيرة مقاومته وقد استعاد مع روحه وعيه بعدوه، بفضل الانتفاضات المتوالية التي تكتب لهذه الأرض تاريخها الجديد.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان