نشرت في جريدة “السفير” بتاريخ 27 تشرين الاول 2001
بقراءة مبسطة لمجريات الأحداث، يتبيّن أن العالم (غير الغربي) يخضع لإرهاب واحد، أما العرب، وفي مختلف ديارهم، فيخضعون لإرهابين متكاملين ومتداخلين بحيث لا يمكن التمييز بينهما أو تحديد التخوم الفاصلة بين أولهما والثاني، خصوصاً أنهما كليهما يقدمان نموذجاً فذاً لإرهاب الدولة: أولهما هو الإرهاب الأميركي على المستوى الكوني، والثاني هو الإرهاب الإسرائيلي على المستوى »الإقليمي«، أي إقليم دنيا العرب!
فلسطين هي أرض التلاقي والتكامل بين الإرهابين… وهي العنوان الدموي فحسب، في حين أن الأقطار العربية الأخرى تخضع حتى اللحظة لابتزاز سياسي مفتوح يرافقه التلويح أو التلميح المكشوف بأن للصبر حدوداً فإذا ما نفد الصبر فالعصا جاهزة لأن توجه إلى كل مَن عصى!
كل الدول العربية تحت… الضرب! لا فرق بين »الغربية« بعواطفها، و»الغربية« بمصالحها، ولا بين العائدة تائبة من تجربة مع »الاشتراكية« خائبة، وبين الصادقة الولاء دائماً وأبداً للولايات المتحدة، تنصرها ظالمةً وتدعو لها هي المظلومة بالنصر، وتقدم لها ماءها وسماءها ونفطها وأرضها بالطول والعرض.
فلسطين هي العنوان فحسب: الاعتراض مرفوض، والمقاومة كفر بما هو تحدّ لإرادة ذي العزة. مَن قاوم إسرائيل فكأنه قاوم أميركا، وعليه أن يتحمل مغبة خروجه على »ولي الأمر« ومحقق إرادة الله فوق أرضه! فلسطين تسبح في دمها، حتى يتوب العصاة من أبنائها فيلقوا سلاحهم ويتركوا للوسطاء الأميركيين أن يعالجوا وقف إطلاق النار واستعادة الهدوء وطي الرايات الخفاقة للحقوق المستحيلة كالقدس وعودة اللاجئين وتحويل »السلطة« إلى دولة!
فلسطين تسبح في دمها.. ولبنان يتلقى التهديدات فينكرها ويحوّلها إلى »نصائح«، أما سوريا فيجاملها الدبلوماسيون الأميركيون ويهددها رجال البنتاغون والصحافيون الناطقون بالعبرية السياسية.
فلسطين تسبح في دمها… والعراق الهدف الثاني للضربة الأميركية التالية، لا سيما إذا ما نجحت حملة التأنيب والتأديب الموجهة الآن إلى أقطار الخليج والجزيرة. …
وهي حملة بلغت ذروتها في الهجوم التشهيري العلني على المملكة العربية السعودية بإسلامها وأسرتها الحاكمة ومؤسساتها التربوية، ونظم التعليم فيها، وضعف الرقابة على مواطنيها الذين يعيشون ويتعلمون في الجامعات الأميركية، ومن ثم ضعف »سيطرتها« أو قدرتها على حفظ الأمن في داخلها أو ربما في واشنطن ونيويورك وصولاً إلى أفغانستان وما جاورها من دول آسيا الوسطى الإسلامية!
ولم يُعرف إن كان سبب الحملة اعتراض المملكة على استخدام القواعد العسكرية فيها كمنصات للهجمات الجوية الأميركية على أفغانستان أو أي هدف آخر يريد الأميركيون تدميره، أم إن السبب يتصل برغبة واشنطن في أن تحاسب السعودية على »رعايتها« الحرب الأميركية ضد الوجود السوفياتي في أفغانستان، وهي الحملة التي »أنجبت« في مَن أنجبت أسامة بن لادن وحكومة طالبان و»الأفغان العرب« الذين يعيثون فساداً ويقيمون حمامات الدم في مختلف أرجاء الوطن العربي.
أما مصر فالحملة الإعلامية عليها شديدة الشراسة وإن ظلت تحاول »تحقير« الدور المصري، وتكاد تطالب بإهمال مصر كلياً وتجاوزها أو حتى منعها من التدخل في الشؤون الفلسطينية… علماً بأن فلسطين هي الداخل المصري، وليست زائرة فيه أو طارئة عليه. ثم إن هذه الحملة تعيد مجدداً تذكير مصر، ومن باب المنّة، بالقروش الأميركية التي تصير مليارات لإسرائيل، فضلاً عن الصواريخ والقذائف والعبوات القاتلة للفلسطينيين وأحياناً للمصريين، كما جرى ويجري في رفح.
إن العرب تحت إرهابين: بقدر ما يغضون الطرف عن الإرهاب الإسرائيلي ويمتنعون عن مواجهته بما يقتضيه من شدة فإنهم سيخضعون للابتزاز الأميركي في فلسطين كما في أفغانستان، وفي العراق كما في مصر، وفي سوريا كما في لبنان، لا فرق بين الحليف الأبدي السرمدي وبين العائد من خصومة تاريخية!
العرب تحت »إرهاب الدولة« مرتين، ولا مهرب من المواجهة.
مَن واجه إسرائيل في فلسطين، ولو بالتبرعات مالاً أو دماءً أو سيارات إسعاف أو معونات غذائية (كالتي تلقيها الطائرات الأميركية على القتلى الأفغان)، صمد لإرهاب واشنطن المفتوح ونصر إخوانه الفلسطينيين في مواجهتهم للإرهاب الإسرائيلي.
ومَن انبطح على أعتاب واشنطن راجياً منها أن توقف الإرهاب الإسرائيلي في فلسطين حتى لا يتفاقم الإحراج فيُخرجه صعقه الإرهاب الأميركي وأعاده ذليلاً إلى أحضان الإرهاب الإسرائيلي!
فلسطين تسبح في دمها… والعرب يسبحون في هزيمتهم المفتوحة، والإرهاب الأكبر يعيدهم إلى الإرهاب الأصغر والعكس بالعكس، حتى ينتبهوا فيفيقوا فيكونوا شعباً مذكوراً!