دار الفلك بالعرب فاذا بهم بعد قرن كامل (1920 ـ 2020) من ثوراتهم وانتفاضاتهم ضد القوى الاستعمارية، بعنوان بريطانيا العظمى وفرنسا، يعودون او يعيدهم الضعف الناجم عن الفرقة وافتقاد القيادة المؤهلة والغربة عن العصر إلى “احضان” الاستعمار باسم دلعه الجديد: الامبريالية، وهي تعني ـ حاليا ـ الحلف الجهنمي بين واشنطن وتل ابيب.
من ادنى شبه الجزيرة العربية ومعها اقطار الخليج العربي (الكويت وقطر والامارات والبحرين والاردن) فسوريا (ومعها لبنان) تنتشر القوات الاميركية (ومعها في بعض الحالات قوات من دول اوروبية) في هذه الدول جميعاً.. بغير أن ننسى الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين المعزز بالدعم الاميركي والبريطاني والروسي المتعاظم والمفتوح.
بالمقابل فان مصر مكبلة بمعاهدة كمب ديفيد والصلح مع العدو الاسرائيلي الذي لا يفتأ يحاول ـ منذ الاتفاق مع الراحل انور السادات ـ تعزيز العلاقات الاقتصادية مع “العدو” ـ سابقا ـ وآخر الصفقات التي عقدت لاستيراد الغاز من دولة العدو بمليارات الدولارات.. فضلاً عن توافد العمال المصريين إلى دولة احتلال فلسطين للعمل في بناء مستعمراتها على أنقاض بيوت الفلسطينيين فيها.
أما ليبيا التي “تبخرت” دولة القذافي فيها فأرض مفتوحة لقوات الدول جميعاً. شرقاً وغرباً، مع قفزة عسكرية تركية اليها تلبية لطموح “السلطان” اردوغان، مع محاولة غير ناجحة لطمأنة تونس والجزائر اللتين استهجنتا هذا التدخل الفظ، بوهم استعادة امجاد السلطنة العثمانية.
وها هي تركيا تقتحم حدود سوريا فتحتل مساحات منها وتتوغل حتى القامشلي في اتجاه دير الزور، وتعزز وجود العصابات المسلحة في ادلب، وتقاتل الجيش السوري الذي انجز تحرير معرة النعمان وحلب من التقدم نحو ادلب التي تحتجز اهلها في “حماية” مئات من مسلحي التنظيمات التي كانت ضمن “داعش” وتحاول وراثتها.
..وها قد اتم الجيش السوري تحرير حلب بالكامل ومن ضمنها مطارها الذي عطلته العصابات الارهابية سنوات طويلة، ويواصل تقدمة لفك الحصار عن ادلب وطرد “الجماعات المسلحة” الموجودة فيها والتابعة، بمجملها لتنظيم “القاعدة” وتفرعاتها.. تحت الحماية التركية!
ومن الطبيعي أن يحتفل السوريون بتحرير عاصمتهم الثانية حلب، وهي من أجمل المدن العربية بتراثها المعماري وابداعها في فن الطرب، وكان كبار المطربين والمطربات يؤدون “امتحان القبول” فيها.
في العراق الذي دمره الاحتلال الاميركي بذريعة القضاء على نظام صدام حسين، يتناوب على السلطة مجموعات من السياسيين والحزبيين “المتقاعدين” الذين هربوا من “بطش ابي عدي” في ظل انشقاقات طوائفية غذاها الاحتلال الاميركي، محرضاً الاكراد (ومشكلتهم كالجرح المفتوح، يطلبون الاستقلال المستحيل، ثم يطلبون “العلاقة الاتحادية” مع بغداد، وترعاهم الولايات المتحدة الاميركية، وتحرضهم تركيا على الاصرار على الانفصال مع انها تواصل اضطهاد الاكراد فيها واعدادهم خمسة اضعاف عدد اكراد العراق..)
في ظل هذه الظروف المعقدة، ووجود قوات اجنبية عديدة في ارض الرافدين بينها اضافة إلى الاميركيين قوات “التحالف” الذي انشأته واشنطن في حربها ضد صدام حسين وتمهيداً لخلعه (وفيها قوات بريطانية وفرنسية وبلجيكية).
…وهكذا فان السلطة في بغداد مختلة التوازن، غالباً، ضعيفة الامكان بعد النهب المنظم لثروات ارض الرافدين (دجلة والفرات)، أخطرها النفط الذي يضيع بعضه في البحر نتيجة الاهمال ونقص كفاءة القيمين على هذه الثروة وتوزيع ما تبقى على النافذين والقوى السياسية التي استولدها الاحتلال الاميركي والصراع مع النفوذ الايراني في ارض الرافدين وعلى حساب اهلها.
أما لبنان الذي يعيش لحظة تاريخية مع الانتفاضة الشعبية التي وحدت جماهيره في مختلف المناطق، جنوباً وشمالاً وساحلاً وجبلاً اضافة إلى بيروت النوارة، فان هذه “الثورة” تصطدم بصلابة النظام الطوائفي الذي يحد من قدرتها على الانجاز، ويحاول بعثرة صفوف المناضلين، وفيهم لأول مرة في تاريخ هذا “الكيان” نسبة ملحوظة من النساء وصبايا الورد والشبان الطامحين إلى كسر القيد الطائفي واعادة بناء “الوطن” بديلاً من “الكيان” الذي اقيم بالطائفية والمذهبية في العام 1920 ليكون “البروفة” او التمهيد على الارض لإقامة الكيان الاسرائيلي، على ارض فلسطين ، في العام 1948، وبعد ثورة مجيدة قاتل فيها الفلسطينيون ومعهم العديد من المتطوعين العرب الاحتلال البريطاني (والتواطؤ الدولي) لإقامة هذا الكيان الغريب عن المنطقة بذريعة تعويض اليهود عن اضطهادهم في الغرب بعنوان “المحارق” التي ارسل النازيون اليها طوابير من اليهود هناك.
من الضروري الاشارة هنا الى أن في لبنان نحو مليوني نازح سوري، ينتشرون في معظم مناطقه “كلاجئين مؤقتين”، اضافة إلى اللاجئين الفلسطينيين الذين تقاطروا اليه منذ “النكبة” في العام 1948، والذين اندمجوا في شعبه، مع سعي متواصل إلى مغادرته إلى حيث تتيسر لهم فرص العمل وبناء مستقبل يليق بهذا الشعب المناضل.
..في انتظار انجاز “صفقة القرن” التي بشرنا فيها الرئيس الاميركي دونالد ترامب في حضور “ضيفه السامي” رئيس حكومة العدو الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، وثلاثة من السفراء العرب في واشنطن ، كشهود زور لـ”بيع فلسطين”، مجدداً إلى غاصبيها الصهاينة في ظل رعاية دولية شاملة.
ولقد “تبرع” الرئيس الاميركي، ومن كيس العرب بعنوان الفلسطينيين (ومعهم، الآن، الاردنيين) بما تبقى لهم من ارض فلسطين، ومعها الاغوار.. على أن يعيش من تبقى منهم في بلادهم ويتنقلون ـ للتواصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة ـ في انفاق تحت الارض.. على أن يعوضوا ببعض الصحراء ليعيشوا فيها كلاجئين في أرضهم..
هل من الضروري التذكير بان “دولة ليبيا” قد اندثرت، تتناثر انحاؤها بين القادرين على الاستيلاء على تركه الراحل معمر القذافي، مضافاً اليهم السلطان التركي اردوغان الذي قرر ارسال مئات من اللاجئين السوريين إلى تركيا كمرتزقة لاحتلال ليبيا او بعض ارضها الغنية بالنفط..
ولقد رفضت مصر هذا “الاحتلال” الجديد لجارتها الغربية، كما استقبلت تونس والجزائر “السلطان” اردوغان، بحرج شديد ورفض لتصرفه الاستعماري الذي يحاول به استعادة امجاد السلطنة.. بعد اسقاطها بأكثر من قرن من الزمان!
نحن بخير، طمنونا عنكم!
حمى الله “امجاد العرب” التي طالما تغنى بها الشعراء:
أمجاد يا عرب امجاد!
تنشر بالتزامن مع جريدتي “الشروق” المصرية و”القدس” الفلسطينية