إذن فالمستر ريتشارد مورفي عائد إلينا، وهو يحمل على طريقه “بابا نويل” رئيس لبنان الجديد في سلة الهدايا وألعاب العيد!
من حقنا، إذن، أن نقيم احتفالات الابتهاج، وأن نكلف زعماءنا الروحيين من بطاركة ومطارنة وأحبار ورهبان ومفتين وعلماء ومشايخ وأجاويد وعقال، أن يقيموا القداديس والصلوات على نية الولايات المتحدة الأميركية، وأن يبتهلوا إلى الله عز وجل بأن يطيل عمر قيادتها العظيمة، وأن يتمنوا لهذه البلاد المحبة لخير الإنسان المجد والسؤدد كونها عطفت علينا، أخيراً، فسنحت لنا بأن نقترع لرئيس انتخبته قبلنا واختارته من أجلنا ليأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ويحقق العدل بالقسطاس في البلد المشتاق إلى العدل والعدالة!
من حقنا، إذن، أن نقرع الأجراس طرباً، وأن نطلق الابتهالات والأدعية، فلقد أفرجت الولايات المتحدة الأميركية عن واحد من “الرهائن” الذين تحتجزهم وهو رئيس جمهورية لبنان الغد،
صحيح إن لبنان باق في الأسر، ولكن ماذا يهم مصير لبنان إذا كان رئيسه الجديد آتياً إلينا وهو مثقل بنعمة الروح القدس الأميركي؟!
… والمستر ريتشارد مورفي يعود إلينا، كأن شيئاً لم يكن، وبراءة الأطفال في عينيه، فلا هو تدخل ولا هو سيتدخل للضغط أو للتأثير على الإرادة الوطنية اللبنانية،
نحن أحرار، وننتمي إلى العالم الحر، والعالم الحر يتعاطى معنا كأحرار فيقرر لنا بحرية مطلقة قائد مسيرتنا الديموقراطية المظفرة نحو تحقيق الحرية الكاملة، والتحرر الشامل، والتطبيق النموذجي لشرعة حقوق الإنسان!
نحن أحرار، O.K وريتشارد مورفي قادم ليقول لنا: O.K فليكن لكم رئيس منكم، فأنتم أحرار مثلنا، O.K، وكما سنختار لنا رئيساً في الـ “States” فلسوف نختار لكم رئيسكم، في LEBANON. إن بلدكم الحر VERY NICE. عشتم وعاش لبنان السيد الحر. GOOD LUCK.
هل انتهت مأساة هذا البلد الجريح بقرار إيفاد مساعد وزير الخارجية الأميركي إلى دمشق، مجدداً؟!
وهل المأساة بهذه البساطة؟!
وهل يمكن أن نتصور أن ينتهي مسلسل الحروب التي تفجرت بها الأرض اللبنانية، لمجرد أن ريتشارد مورفي آت في زيارة جديدة إلى العاصمة السورية؟!
لا بد أن نكون بلا عقول لنصدق إن أزمة بمثل التعقيدات التي نعرف يمكن أن تنتهي بمثل هذه البساطة!
لا بد أن نلغي أنفسنا نهائياً، إضافة إلى إلغاء مشاعر “سخيفة” كمثل الكرامة والعزة والعنفوان، وإلى إسقاط كل المفاهيم السياسية التي تدرس في الكتب السميكة، لنصدق إن بإمكان رجل واحد اسمه ريتشارد مورفي أن يحل المعضةل التي استهلكت أعمار جيل أو جيلين من اللبنانيين وسائر العرب، والتي كنا حتى إذاعة الخبر السعيد عن قرب وصول “رسول السلام” نراها مستعصية على أي حل وعلى كل حلال!
هل ستنتهي كل أزمات النظام اللبناني الفريد الداخلية بوصول ريتشارد مورفي، فتعم العدالة والمساواة، وتسقط الامتيازات والحقوق المطلقة في الرئاسة، وتقر المشاركة، ويتم الاصلاح الدستوري المرتجى فلا يظل في لبنان “طائفة” تحمل عقيدة “شعب الله المختار”، ولا يبقى فيه مواطن درجة أولى ومواطنون في الدرجة العشرين من تحت؟!
هل سيتوقف “الكبار” عن ارتكاب الكبائر، كمثل اختلاس المال العام وسرقة أملاك الدولة واغتصاب أرزاق المواطنين وثمرة كدهم وجهادهم؟!
هل ستندثر الطائفية وسيعود إلى أحجامهم الطبيعية أولئك الزعماء والقادة الذين تسلحوا بها ثم أطلقوا مسلحيهم ليمتهنوا كرامات الناس ولينتهكوا حرمات بيوتهم، بالخطف والحجز والتهديد المباشر أو غير المباشر؟!
هل سيصير الوطن أهم من نظامه، والدولة أهم من الحاكم، والحكومة أهم من المتحكمين والرئاسة أهم من الرئيس، والشعب أهم من الجميع؟!
هل سينتهي الامتحان اليومي لولاء لبنانيي الدرجة الثانية أو الثالثة من أمثال سليم الحص، الذي لا يأتمنه “لبنانيو الدرجة الأولى” من الذين باعوا لبنان للشيطان (إسرائيلياً كان أم أميركياً أم من أية جنسية أخرى)، على الحكم ولو لبضعة أيام، فيطالبون ومعهم “المنقذ” و”رئيس الحل” و”رمز الديموقراطية” و”رجل العلمانية” ريمون اميل اده بتنحيته وترئيس ماروني على الحكومة الانتقالية العتيدة؟!
هل سينتهي عصر “الهيمنة” و”الحكم الفئوي”، و”الانقلاب الكتائبي” الذي اغتصب السلطة متكئاً على الدبابة الإسرائيلية في صيف العام 1982، والذي كان – من قبل – قد اغتصب الشارع في بعض مناطق لبنان وفي أوساط بعض فئاته بتأسيس “الحلف الثلاثي” في العام 1968؟!
لقد مارس “الحلف الثلاثي” الأول حق “الفيتو” على مرشحي رئاسة الجمهورية (من الموارنة)، في العام 1970، واستطاع الراحلان كميل شمعون وبيار الجميل ومعهما ريمون اده، أن يفرضوا مرشحاً مضاداً للاتجاه السائد هو الرئيس سليمان فرنجية،
ومن غرائب المصادفات أن يكون سليمان فرنجية نفسه هو ضحية “الحلف الثلاثي” الثاني و”الفيتو” الذي فرضه أمين بيار الجميل، والنسخة المنقحة من كتائب الأمس، أي “القوات اللبنانية” ومعهم قائد الجيش العماد ميشال عون، على انتخابات 1988،
من غرائب المصادفات أيضاً أن يكون سليمان فرنجية “بطل” الصراع ضد زج الجيش في السياسة في الستينات هو ضحية زج قيادة الجيش في السياسة في نهاية الثمانينات!
ما علينا، لنعد إلى ريتشارد مورفي وقدراته غير المحدودة، فنتساءل : – هل تراه سيقدر على ابتداع “الصيغة” الفريدة الجديدة المطلوبة لضمان استمرار النظام اللبناني؟!
وهل تراه سيضمن هذه الصيغة ما يقيم بين لبنان وبين سوريا “علاقات مميزة”، توفر للبنانيين وللسوريين الاستقرار الذي ينشدون؟!
وهل تراه سيخترع صيغة مبتكرة “تطمئن” العدو الإسرائيلي في الجنوب، ولو على حساب أهل الجنوب المحرومين، من دون أن تستفز “كرامة” الدولة اللبنانية، ومن غير أن يراها اللبنانيون ومعهم العرب جميعاً اتفاق إذعان جديداً يقاتلون لإسقاطه كما مع اتفاق 17 أيار؟!
ريتشارد مورفي عائد اليوم،
لكن لبنان باق رهينة حيث يحتجزه الذين فاقموا أزمته الداخلية بأن حملوها بعض أبعاد أزمة المنطقة،
وقد يكون للبنان رئيس جديد في “جلسة النجمة – 22″، لكن أزمة لبنان ستبقى تنتظر حلها الحقيقي طويلاً،
فأزمة المنطقة أكبر بكثير من ريتشارد مورفي.
وأزمة لبنان أخطر بكثير من أن تحلها واشنطن بالسماح لنا بالاقتراع لرئيس انتخبته لنا من بين مرشحيها الكثر،
مع هذا فلا بد من انتظار نتائج الرحلة الجديدة للمفوض السامي الأميركي،
فلقد بتنا “نتعلق بحبال الهواء”.
وهانت على اللبنانيين أنفسهم وكرامة بلادهم حتى باتوا مستعدين للتسليم بما يرفضه المتعافون ومستعدين للقبول بما هو مرفوض من حيث الشكل كما من حيث الأساس!
إنهم يعيشون إحساس الذاهب إلى التهلكة، فماذا يمنع أن ينتظروا ليروا إن كانت الكارثة الجديدة أخف قليلاً من الكارثة التي كانوا يندفعون نحوها بفضل حكم الانقلاب الكتائبي وفيتواته الشهيرة؟!
و”الأميركي”، في البداية والنهاية، هو الذي طلع هذا الحكم إلى المئذنة، فلعله يساعد في إنزاله،
وبعدها يكون الحديث عن “لبنان الجديد”،
O.K!?
إذن اهتفوا مع الهاتفين: WELCOME Mr MURPHI!
عاش لبنان، سيداً عزيزاً حراً مستقلاً!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
What's Hot
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان