لعل اللبنانيين هم أكثر العرب تطلعاً إلى “الجبهة القومية للصمود والتصدي” وأعلاهم صوتاً في مطالبتها بأن تحقق ما قصرت عنه القمم والمؤتمرات الوزارية ولجان المتابعة وما إليهاز
ذلك أن اللبنانيين يعتبرون أن العروبة والقضية القومية تمتحن الآن بهم وفوق أرضهم، فمن وقف معهم وحمى جنوبهم من الاحتلال وبلادهم من التقسيم قدم دليلاً ملموساً على إيمانه بالأمة وإخلاصه لأهدافها وجديته في مجابهة أعدائها الكثر وفي طليعتهم الإمبريالية الأميركية والعدو الإسرائيلي.
ثم إن اللبنانيين هم أحذق الخبراء في التمييز بين ما هو قومي وما هو إقليمي، نتيجة التجارب المريرة والدروس المستفادة من الحرب الضروس المستعرة داخل لبنان – منذ قيام دولته – بين القومية (ومن ثم الوحدوية والتقدم) وبين الإقليمية ومعها الكيانية والطائفية… وصولاً إلى مشاريع الكونفيدرالية والتعددية الخ.
كذلك فاللبنانيون هم أعظم العرب خوفاً من النتائج المدمرة لخيانة السادات لأنهم يفتقدون اليوم، الضمان والقوة العاصمة في وجه خطر الاجتياح الإسرائيلي الداهم، باعتبار أن مصر هي التي كانت تشكل لهم كما لسائر العرب الدرع الواقي والقوة القادرة على حمايتهم مادياً ومعنوياً.
ويبقى سبب تفصيلي أخير: فالقمة الرابعة لجبهة الصمود والتصدي تنعقد في “الذكرى” الخامسة للحرب الأهلية في لبنان، المستمرة بعد، والتي استهان العرب بمخاطرها في البداية ثم عجزوا وما زالوا عاجزين عن إيقافها بعدما تنبهوا إلى أنها هي هي المقدمة المنطقية لكامب ديفيد، وهي هي الفتنة التي شغل بها العرب واستنزفوا حتى يسهل تمرير الخيانة وجلعها سياسة رسمية معتمدة لأكبر الدول العربية وأعظمها تأثيراً.
فبفضل الحرب اللبنانية، التي غيبت ديمقراطية لبنان وأنهكت ثورة فلسطين وعطلت الدور القومي لسوريا، ووفرت العذر لبقية العرب، أمكن للسادات أن يذهب إلى القدس المحتلة وأن يوقع الصلح المنفرد مع العدو القومي، وأن يتحول إلى حارس بالسلاح للمصالح الأميركية والإسرائيلية، في الأرض العربية..
ولأن للبنانيين مثل هذه الصلة الحميمة بالجبهة القومية للصمود والتصدي فإنهم يتوجهون إليها بالمحاسبة إضافة إلى مطالبتهم المستمرة لها بأن تكون ما وعدت والتزمت بأن تكونه.
فاللبنانيون، ومعهم سائر العرب، يفتقدون روح المبادرة في الجبهة التي قامت كرد فعل على خيانة السادات، ويرون إنها ما تزال محاصرة ومحصورة في دائرة رد الفعل حتى اليوم، فهي، في أحسن الحالات، إطار للتضامن السياسي بين الأطراف المشاركة فيها، وليست قائداً للهجوم المضاد على السادات وحلفائه الجدد،
وإنه لأمر بالغ الدلالة أن تنعقد هذه الجبهة اليوم في طرابلس، عاصمة ثورة الفاتح، بينما يحشد السادات قواته على الحدود مع الجماهيرية العربية الليبية ويهدد باجتياحها.
إن السادات ما يزال يحتفظ بزمام المبادرة، وهو الذي يشق الهجمات على كل من وما هو وطني ليس فقط في الأرض العربية (الصومال، عمان) بل كذلك في أفريقيا (من تشاد إلى زائير) ودائماً بالتحالف مع القوى الاستعمارية (الأميركية والفرنسية) بل وفي خدمتها.
ثم إن اللبنانيين، ومعهم سائر العرب، يحاسبون الجبهة على نقص الروح القومية في توجهها كما في الممارسات السياسية لأطرافها، كان الأمل أن تكون الجبهة خطوة باتجاه الوحدة وليس تجميعاً للإقليميات الصغيرة في وجه الإقليمية الكبرى (المصرية). ومن أسف أن الناس يأخذون على أطراف الجبهة إنهم تصارعوا على أسلوب الدور القومي لمصر أكثر مما عوضوه أو اندفعوا به نحو آفاق أرحب.
إن العرب جميعاً كانوا وما زالوا على استعداد لأن يعطوا الجبهة شرف قيادتهم في معركتهم القومية التحريرية، ولكنهم توقعوا أن تسعى الجبهة لمثل هذه القيادة وأن تثبت جدارتها بها وأهليتها لها، ففجعوا برؤية أطراف الجبهة يصطرعون في ما بينهم ويقسو بعضهم على بعض أكثر مما بقسون مجتمعين ومتفرقين على السادات!
وأخيراً، كان العرب وما يزالون يأملون أن تقدم الجبهة الخط الستراتيجي البديل عن سياسة السادات في ما يخص الصراع العربي – الإسرائيلي.
ومثل هذا الخط لا ينفصل، في أذهان العرب جميعاً، عن نظرة أطراف الجبهة إلى “الشعب” وإلى قضاياه الكبرى وعلى رأسها الحرية والديمقراطية حقه في أن يكون هو صاحب القرار ومصدره والمشرف على التنفيذ.
فإذا كان السادات قد قمع شعب مصر العربي، وزور إرادته وقهره بفرض الاستسلام للعدو عليه، فإن بين شروط وجود الجبهة المناهضة له أن تؤمن بالشعب فتطلق حرياته العامة وأن لا تغيب أجهزتها عنه في التعبير عن إرادته وأن تمكنه من التصدي للعدو ومخططاته بما ملكت إيمانه، أو حتى بصدره العاري… فالتفريط بالأوطان يظل أخطر بكثير من أن يستطيع الحاكم منعه بالقرار أو بالعيون الساهرة.
إن الأمة مهددة في وجودها، ومن حق أبنائها أن “يسمح” لهم بالدفاع عنها والجبهة القومية للصمود والتصدي تستطيع أن تصبح قيادة النضال العربي، إذا هي مكنت جماهير هذه الأمة من أن تؤكد حضورها.
… ولن تذهب هذه الجماهير إلى السادات، أو إلى كامب ديفيد، بل هي ستحقق بالضبط المعنى الفعلي لاسم الجبهة: الصمود والتصدي للساداتيين جميعاً، حيثما كانوا، ولكامب دافيد وكل من والاه.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان