حتى الاجتماع الناقص صار “نعمة”، في زمن البؤس العربي،
حتى البيان الإنشائي المبهمة معاني كلماته المختارة بعناية لكي لا يسيء “السادة” تفسيرها، صار “مكسباً”، في زمن الانقسام الشامل وافتقاد الحد الأدنى من “التضامن العربي”،
بهذا المعنى فإن مجرد التئام مجلس جامعة الدول العربية، بناء لطلب لبنان، من أجل “بحث” الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على أهله، هو عودة عربية خجول إلى دائرة الوعي، واستفاقة إلى أن أحداً لن يهتم طالما أن أصحاب الشأن منقسمون ومنشغلون عن قضاياهم ويسعى كل طرف إلى “استنقاذ” رأسه ولو على حساب الآخرين، بل الأمة جميعاً.
أي شيء أفضل من لا شيء…
حتى لو كان السبب الحقيقي للاجتماع التداول ومحاولة تحديد موقف ما مما بعد شامير في إسرائيل، واستطراداً كيفية التعامل مع “مرحلة” إسحق رابين الآتي إلى زعامة الكيان الصهيوني وفي هذا التوقيت بالذات، باسم “الرب” الأميركي،
لا يهم إن البيان العربي أضعف بكثير من الفعل الإسرائيلي، فهذا هو الطبيعي، ثم ماذا تنفع الكلمات المدوية كالطبول بالنسبة لفلاحي جبل عامل ممن تنسف منازلهم أمام عيونهم أو تسقط عليهم سقوفها وهم فيها، أو تتلف محاصيلهم ومصادر رزقهم ويشردون من قراهم لكي يهيموا على وجوههم في “ضاحية التهجير” البلاد حدود؟!
لكن لا بد من تسجيل مجموعة من الملاحظات على البيان بشقيه: ما يتصل بالمساعدات العربية الموعودة (والمرصودة) للبنان، ثم ما يتصل بمخاطبة مجلس الأمن بشأن الاعتداءات الإسرائيلية.
*الملاحظة الأولى – إن الشق الأول، أي مطالبة الدول العربية بأن تنفذ ما سبق أن التزمت به قبل ثلاث عشرة سنة لمساعدة لبنان، هو عودة مفلس إلى دفاتره العتيقة في محاولة لتحصيل “ديون هالكة”، ربما بسبب يأسه من أن يقبل الطرف المعني بأي التزام جديد.
الطريف أن المطالبة صدرت عن “الفقراء”، أما “الأغنياء” أو القادرون وبالتالي المعنيون، فقد كان حضورهم رمزياً، ولعل هذا الحضور (مجرد الحضور!!) قد تطلب جهوداً خارقة من الأمين العام للجامعة وبعض الرؤساء الفقراء من ذوي الدالة على “أقرانهم” البنادرة…
*الملاحظة الثانية – إن اثنتين من الدول العربية الغنية التي تعهدت بتقديم الملياري دولار للبنان، باتت بحاجة على من يساعدها.
فالعراق المدمر والممزق، تحت الحصار، يكاد “يتسول” الأدوية والمواد الغذائية، ويمد يده إلى مجلس الأمن طالباً التصدق عليه ببعض نفطه لكي يطعم شعبه… لكن المجلس، المجسد للإرادة الدولية (!!) والقيم على حقوق الإنسان، يعاقب العراقيين جميعاً – حتى اليوم – لأن “رئيسهم” المهووس غزا الكويت قبل حوالى عامين فأفقدهم وحدة وطنهم وزهرة شبابهم ومصادر ثرواتهم وكرامتهم وأسباب عزتهم.
وليبيا تحت الحصار، تنفيذاً للإرادة الدولية إياها (!!) لا تهبط في مطاراتها طائرة ولا تقلع منها طائرة، ولو حتى بالشيوخ والنساء والأطفال المرضى،
… فأما بقية الدول، وعلى وجه التحديد السعودية والكويت أساساً ثم سائر أقطار الخليج، فقد أفرغ “الحلفاء” صناديقها و”حرروها” من فائص ثرواتها ومن آبار نفطها، وهم الآن يرهنون مستقبلها تحت شعار إعادة البناء أو تحصينها ضد احتمال أي غزو (عربي) جديد!
كأنهم، “هم”، ليسوا غزاة، ولم يكلفوها أكثر مما كلفتها المغامرة البائسة لصدام حسين، بما لا يقاس.
*الملاحظة الثالثة – إن وزراء خارجية الدول العربية الأعضاء في اللجنة الثلاثية العريبة، الموكولة إليها مهمة الدعوة إلى ومن ثم تأسيس الصندوق الدولي لإعادة إعمار لبنان، تغيبوا عن الاجتماع، كل لظرف قاهر يخصه.
فأما الجزائري، الأخضر الإبراهيمي، فعذره بين وقاطع في وضوحه المفجع،
وأما المغربي فلم يكن في أي يوم معنياً بالشق الاقتصادي من اتفاق الطائف”
يبقى السعودي ، وهو ما فتئ يتهرب من اللقاء، مجرد اللقاء، بأي مسؤول لبناني، تجنباً لمطالبته بإنجاز تعهدات مليكه وحكومته المذهبة.
وشهيرة هي حكاية “هرب” الوفد السعودي من “الأخوة اللبنانيين” إبان انعقاد المؤتمر الإسلامي بدكار:” لقد اعتذر بلطف عن عدم استقبالنا، يقول مرجع لبناني كبير، مصراً على أن واجبه هو أن يزورنا، ثم سافر بغير وداع”.
ولا يعتقد أي عاقل إن الرئيس رشيد الصلح يملك الفصاحة الكافية لإقناع المسؤولين السعوديين اليوم، وهم في حال الضيق والعسر (؟!) بتنفيذ ما لم ينفذوه يوم كانت أموالهم بحاراً بلا ضفاف…
*الملاحظة الرابعة – إن البيان، في شقه المتصل بمجلس الأمن ومسؤولياته، قد تحاشى أن يطالب، ولكنه “ناشد” مجرد مناشدة، المؤسسة الدولية مناصرة (!!) الشرعية ادلولية وتحمل المسؤوليات في إلزام إسرائيل بتنفيذ القرار 425 القاضي بالانسحاب الفوري وغير المشروط الخ…
سقطت سهواً من البيان، على الأرجح، عبارة “على غرار ما فعلتم بالعراق، وما بشرتهم تنفيذه ضد ليبيا”…
مسكينة الجامعة العربية،
تخاف أن تغضب الأغنياء العرب فيخرجوا منها ويكملوا خروجهم على الأمة،
وتخاف أن تخدش المشاعر الأميركية الرقيقة أو تتهم بالتعكير على العهد الأميركي في إسرائيل، بزعامة رابين، فتهرب إلى المناشدة وإلى استنهاض الأخلاق بينما سيوف الاحتلال ما تزال تحصد أبناء فلسطين المحتلة لتفرغ أرضها للمستقدمين من أربع رياح الأرض!
وهكذا فإن النصف الأول من البيان يشرح سبب الخواء في النصف الثاني، كما إن النصف الثاني يكشف سبب عدم الالتزام المشار إليه في النصف الأول،
خير هذا بشر ذا فإذا الله قد عفا،
والله على كل شيء قدير.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
What's Hot
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان