الحكم هو القضية، لا الحكومة، والحكم قرار، وقرار الحكم هو الموضوع، أي أنه هو العقدة وهو الحل أو المدخل إلى الحل، في أبسط تقدير… وطالما استمر غياب القرار فلن يقوم في لبنان حكم، ولن تكون له حكومات قادرة على الإنجاز، ولو أن ذلك ممكن لما استقال سليم الحص، فما عجز عنه الرئيس المستقيل لن يستطيعه الآخرون، إذا لم تتبدل الظروف الموضوعية التي تعطل الإنجاز.
ومع استمرار غياب القرار سيظل الحاكم مجرد عرضحالجي يتلقى الظلامات أو يعرض على الناس ظلامته، ليخلص إلى التوكيد على عجزه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
هذا لا يعني بأي حال أن الحاكم ظالم لنفسه وللآخرين. إنه مظلوم بلا شك، ولكنه بالتأكيد ظالم.
هو يظلم، أولاً، شعبه حين ينظرغليه في فرقته فيفترض أن الانقسام قدر، باعتبار أن المسلمين لن يتحولوا إلى المسيحية ولا العكس سيكون.
وفي ضوء هذا “المعطى” يصبح الطموح أن نحمي الحد الأدنى من الوشائج والعلائق والروابط (الرمزية)، في حين يتجسد الانقسام دويلات بجيوش وميليشيات وأعلام وأناشيد “وسبر شيرمان”، ناهيك بالشرطة والمجالس الحربية والجباية الموحدة، والحديث عن الكيانات الطائفية في سياق التمهيد للوفاق الوطني!
ومن المنطقي أن يصبح الأكثر أو الأحد طائفية هو موضع الاهتمام والرعاية، على حساب الوطني أي المواطن العادي.
ثم إنه يظلم الأشقاء العرب، حتى المقصرين منهم، حين لا يضع أمامهم تصوراً محدداً للبنان الذي يريد، فيظل كلامه معهم في العموميات، هو يتوقع أن يعطى بغير طلب، ولكن ضمن تصوره المفترض (!!)، وهم يعطون – إذا أعطوا – وفق تصورهم هم لا تصوره هو، أو يتذرعون بغياب المطلب المحدد للتنصل من أي عطاء.
ومن حق العرب أن يقولوا: لقد أعطيناه الجيوش ووفرنا له المال، وانحزنا إليه فطالبنا المقاومة الفلسطينية بأن تقدر ظروفه فلا تحرجه ولا تطلب منه أكثر مما يطيق… فماذا كان يريدنا أن نفعل له أكثر، بل ماذا بوسعنا أن نفعل أكثر؟!
ويمكنك أن تسمع هذا الكلام من أكثر من طرف عربي، وتسمع منه انتقاداً مراً للحاكم الذي لم يعرف كيف يأخذ من الآخرين ما يجب أن يأخذه، أو أنه لم يعرف أن يستخدم ما وضعوه تحت تصرفه.
تسمعه من المسؤول السوري صريحاً واضحاً ومحدداً: لقد وقفنا معه، من اللحظة الأولى، وما زلنا على استعداد لمساعدته والمساهمة، في إنقاذ لبنان، ولكننا انتظرنا طويلاً وما زلنا ننتظر أن يقول لنا كيف. لقد عرضنا عليه تصورنا فوجد أنه لا يتناسب مع ظروف لبنان الخاصة والدقيقة، ولكنه بدل من أن يطرح علينا التصور المناسب في تقديره، تحول إلى عارض وشارح لتوصرات أطراف في لبنان تظل – بغض النظر عن رأينا فيها وفي أصحابها – تصورات فئات أو طوائف أو أحزاب وليست بأي حال رؤيا الحاكم وبالتالي قراره.
وتسمعه من المسؤول الليبي، كما جاء على قائد ثورة الفاتح في خطابه بالأمس. فما قاله معمر القذافي عن لبنان يجسد ما هو أهم من التعاطف والتفهم لوضع لبنان والتقدير لنضال شعبه ودوره في حماية الثورة الفلسطينية، إنه يجسد الشعور المخلص بالمسؤولية القومية عن لبنان وشعبه ودوره.
وما لم يقله معمر القذافي إنه وغيره من القادة العرب لا يمكنهم أن يساعدوا لبنان برغم أنف حاكمه، وإنهم لم يقرروا ولا يريدون حتى هذه اللحظة تجاوزه، وإن عليه أن يرشدهم إلى الطريق ويحدد لهم ما يطلبه منهم.
ونعرف جميعاً أن معمر القذافي عرض أن يسلح الجيش اللبناني، وأن يوفر للبنان ما يكفل حماية أجوائه من طائرات العدو وغاراتها اليومية على سمائه المستباحة كأرضه، ولكن… هل يعرف أحدنا رأي الحكم اللبناني في هذا العرض الليبي؟!
قد يرى الحاكم، إن مثل هذا العرض غير مناسب للبنان، في الظروف الحالية، وقد يفضل تلبية احتياجات أخرى، فما هي، ولماذا لا يطلبها، وسواء أكانت سياسية أو إعمارية أو تسليحية؟!
وتسمع مثل هذا الكلام من أمير الكويت الذيب لا يخفي عنك حيرته إزاء موقف الحاكم اللبناني، وينطلق فيعدد لك كم وكم من المرات أبدى استعداده لتقديم يد العون فلم يجد لدى الحاكم في لبنان تصوراً واضحاً يستوعب – في جملة ما يستوعب – العرض الكويتي وبوجهه الوجهة التي يريد.
يقول لك أمير الكويت : إن لنا علاقات طيبة تربطنا بالأطراف جميعاً في لبنان، وطالما أبدينا استعدادنا لبذل مساعينا الحميدة من أجل التقريب بينهم، أما بالنسبة للمساعدات فالمال ليس مشكلة، إنه والله الحمد موفور، ونحن مستعدون – وبغير افتئات على أي من إخواننا أو انتقاص من قدراتهم ومن استعدادتهم الطيبة – لإعادة بناء كل ما خربته الحرب في لبنان. ولكن المهم أن تحددوا لنا أنتم ماذا تريدون بالضبط منا ومن الآخرين.
وتسمع مثل هذا الكلام أيضاً وأيضاً من رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ زايد بن سلطان، مصحوباً بإعلان الاستعداد لتقديم كل ما يطلبه لبنان ورئيس لبنان تسهيلاً لإخراج البلد (ومعهم سائر العرب) من هذه المحنة.
طبعاً هناك عرب مقصرون، ولكن هل وضع هؤلاء مرة أمام مسؤولياتهم، بالمعنى المادي وليس معنوياً؟! هل قدم الحاكم اللبناني تصوره لحل المسألة اللبنانية كاملاً شاملاً، محدداً فيه أدوار الدول العربية حتى يتم الفرز فيعرف من معه بالفعل، ومن أدوار الدول العربية حتى يتم الفرز فيعرف من معه بالفعل، ومن معه بالقول فحسب، وبالتالي مع استمرار الأزمة؟
لقد ذهب الحاكم اللبناني إلى العرب (بعد قمتي الرياض والقاهرة) مرتين: الأولى ليطلب مساعدتهم لإخراج الجيش السوري (الذي هو أمره) من برج رزق وجسر نهر بيروت، والثانية ليشكو الفلسطيني بتصويره أنه هو – وليس إسرائيل – سبب مأساة الجنوب.
أي أنه في المرتنين كان يذهب مسلحاً بمنطق فئة، وقافزاً من فوق الأسباب الحقيقية للأزمة، وكان يتعاطى مع نتائج غياب التصور للحل الذي لا بد أن يكون حلاً يرتضيه اللبنانيون من دون أن يعتبره السوري أو الفلسطيني مسيئاً إليه وذا تأثير سلبي على مجريات الصراع العربي – الإسرائيلي.
الحكم هو القضية، والحكم قرار،
و”الفعاليات” هي أحد الوجود البارزة لغياب قرار الحاكم، فهي تحكم جزئياً أو كلياً المناطق التي أخرجت الدولة منها.
والموقف العربي هو – في بعض جوانبه – نتيجة قرار الحكم في لبنان، ولهذا ستبقى القضية معلقة، وكذا الوضع الحكومي بل أوضاع الشرعية والسيادة والدولة ووحدة المؤسسات، في انتظار قرار الحكم.
وحتى واشنطن تنتظر قرار بعبدا أكثر مما تفترض إنها هي المعنية بأن تصنع القرار اللبناني.
إلا إذا استمر الغياب، واستمر الجميع في اصطناع القرار لنا إلا الطرف الوحيد المسؤول عن اتخاذ هذا القرار،
وفي هذه الحالة تكون إسرائيل طرفاً رئيسياً في فرض القرار علينا حكاماً ومحكومين، لبنانيين وفلسطينيين وسوريين بل على العرب أجمعين.
وهذا ما يجب أن يقاومه العرب جميعاً، يتساوى في ذلك اللبناني والسوري والفلسطيني والليبي والجزائري والكويتي الخ، حتى لا تصل النار إليهم جميعاً… وهم لا بد ان يقاوموه بالنتيجة سواء اكان الحاكم اللبناني معهم أم تخلف عنهم لأي سبب.
والقرار بعد لصاحب الحق في القرار، وإلا بكينا على الحق والقرار.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان