“بياع الخواتم” الأميركي يفتتح الان “موسم الفرح” بتوزيع هداباه على المنسيين في دهليز القهر والاهمال:
للبنان الضمانة التي يطلب للفصل بين القرار – الأمنية الرقم 425 وبين السياق المعتمد فعلياً لـ “مؤتمر السلام” والذي لا يضمن أي “انسحاب فوري وغير مشروط” من أية أرض عربية محتلة، والشرح مؤجل كما التنفيذ،
ولشعب فلسطين، أخيراً، الاعتراف بحقوقه السياسية المشروعة، ولو للحظة وبجملة واحدة تبدو أشبه بزلة لسان، ولمناسبة التشييع العلني لمرحلة كاملة من مراحل نضاله الوطني العظيم من أجل أبسط حقوقه في أرضه، بل من أجل بعض بعض حقوقه في بعض بعض أرضه.
أما إسرائيل فلن تعطى إلا بقايا فلسطين، الأرض بالجبال والأنهار والسهول والصحارى والبحار، وبعض فضلات فوائد المال العربي الموظف أو المجمد في المؤسسات المالية الأميركية، ولغرض بحت إنساني وهو أن تبني بها مستوطنات “رخيصة” لطوابير المساكين الهاربين من جحيم… “الآخرين” إلى نعيم الفكرة غير العنصرية (الصهيونية) التي صارت وطناً لشعب الله المختار.
لولا بقية من وقار لرقصت “الجمهورية الثانية” في شوارع نيويورك ولحمل الوفد الرئاسي جون كيلي على الأكتاف وهتفوا عبره “بالروح بالدم نفديك يا بوش”،
ولولا بقية من حياء لطلبت القيادة الفلسطينية من “آخر مجلس وطني” أن يسمي دورته باسم “المحرر الأميركي الثاني” بعد جورج وشانطن الرئيس الأعظم جورج بوش.
لكل عذره، ولكل تبريراته المستمدة من تخلي “أخوانه” عنه، وتركه وحيداً ضعيفاً عاجزاً يتيماً وبلا مأوى في مواجهة قوى عاتية لا تلين ولا ترحم.
كيف يستوي النقاش إذا استحال الخيار، وإذا أمامك عرض بائس وحيد وأخيراً إما أن تقبله فتنجو أو ترفضه فتعاقب بشطبك أو بتركك لمصيرك تتآكلك الحسرة على غدك ويهصرك الندم على ماضيك وأنت تتجرع مرارة حاضرك المغدور؟!
من يلوم من، ومن يحاسب من، طالما إن التغيير أبعد من المستحيل، والمساعدة أعز من الأحلام، ولا مجال لعمر آخر يعوض الهدر في هذا الذي ضاع عبثاً بين المحاولة والاستكانة؟!
قبل ربع قرن أو يزيد أطلقت حركة فتح الرصاصة الأولى باسم تحرير فلسطين، لكن شعارها السياسي الفعلي كان “توريط” الأنظمة العربية في حرب أو حروب مع إسرائيل.
اليوم تكاد القيادة الفلسطينية تبرر انزلاقها إلى كل هذا الكم من التنازلات بالضغوط العربية أو بالتخلي العربي أو بممارسة “القرار الوطني المستقل” في عقد الصفقة غير المتكافئة حتى لا يعقدها بالنيابة “العرب”ز
أو إنها تتمثل بهم، ومن شابه أباه أو أخاه فما ظلم،
عذرها فيهم، وعذرهم فيها، وكلا العذرين مقبول في الشكل، ولكن النتائج هي التي لا يمكن لأي من “الطرفين” أن يقبل بها علناً، حتى لو تذرع بالعجز عن رفضها.
وداعاً أيها السلاح؟!
وداعاً أيها التاريخ، أيتها الأرض، أيتها الطلقات البكر، أيها الفتية السمر البشرة يقتحمون بإرادتهم جدار المستحيل ويغزلون من أحلامهم طريقاً إلى أحلام الأجنة الآتين باسم فلسطين ومن أجلها؟!
قبل نصف قرن إلا قليلاً تواطأ المنتصرون في الحرب العالمية الثانية على العرب الذين كانوا غائبين عنها إلا بأراضيهم التي استخدمت كجبهات وساحات نزال وصراع على النفوذ، فقررا إقامة إسرائيل فوق “فلسطينهم”،
وكان للعرب بعد العجز وربما قبله العذر في أنهم لم يشاركوا في الجريمة ولم يتواطأوا على “أخيهم يوسف” (إلا بعضهم)،
أما اليوم فالعرب يشاركون في أكل لحوم بعضهم البعض،
إنهم في اللعبة وليسوا خارجها. لا يملكون أن يوقفوها، ولعل أكثرهم لا يرغبون لا في وقفها ولا في الخروج من دوامتها ولا في إعلان البراءة من نتائجها.
… اللهم إلا بعضهم ممن لا يزال يحتفظ في مكان حصين داخل وجدانه بصورة إصلاح الدين على مشارف حطين، أو ببعض الخطب المهربة لثوار الزمن الجميل الذي مضى، أو ببعض الطلقات التي خلفها “الفدائيون” الذين طلبوا فلسطين إلى حد الذوبان فيها.
موجعة الذكريات وهي تتهاوى فتحطم تجويفة الصدر وتمتص النبض المتفجر حياة،
وموجعة أكثر الوقائع الباردة وهي تتراكم فتسد الأفق وتصرع الخيال وتوقفك أمام حافط الاعدام في انتظار الأمر بالتنفيذ أو قبول توبتك عما تقدم من ذنبك الوطني وما تاخر.
لكنها الحياة، يقول الفرنسيون، ودورة الفلك، كما يقول هواة التأمل في مسيرة التاريخ.
إنه زمن “الغلاسنوست”. هل أكثر شفافية من “مؤتمر السلام”… يا سلام!
إنه زمن البروسترويكا، أليس هكذا تكون “إعادة البناء”، يا رفيق…
إنه عصر التحرير المعكوس، فاليانكي يحررنا من أحلامنا، وبلا ألمز
“انتظر وانظر”، يقول الأميركيون… ويقولون أيضاً “دعه يعمل، دعه يمر”. أما العرب يفيقولون: إنها مسألة فيها نظر. والعتب على النظر، بداية وانتهاء.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان