ذات يوم حمل الإسلام العرب والعروبة إلى العالم، وأعطاهم شرف الرسالة وترف الحكم في ديارهم كما في ديار الشعوب الأخرى التي آمنت بالدين الحنيف.
اليوم تبدو الصورة مأساوية وقاتمة: فحكام العرب يقاتلون العروبة في رعاياهم ويصارعون الإسلام فتكاد الأمة ترتد إلى الجاهلية!
لا قومية ولا دين، لا رسالة ولا دور بل قبائل شتى تغزو بعضها بعضاً وتتناهب وتتوغل في التخلف حتى ليكاد يرفض “القيصر” أن يستعمرها أو يتركها “كسرى” لمصيرها مكتفياً بالسيطرة على أرضها وإرادتها وقرارها السياسي، إن وجد.
في الجزيرة والخليج طلبوا أعتى قوى القهر الاستعماري “لتحريرهم” من ظلم الشقيق الدكتاتور… ودفعوا قبل النفط عروبتهم وإسلامهم ثمناً!
هجروا القومية وأسقطوا عروبتهم، واستأذنوا إسلامهم في أن يستعينوا بالحملات الصليبية الحديثة لكي تقوم بخدمة الحرمين الشريفين وتسهر على راحة الحجاج، وتنشر كلمة الله الحق في أربع رياح الأرض!
وفي فلسطين، وفي ظل العجز المطلق عن إكمال معركة التحرير، يطالبون بالوصاية الدولية، وبانتداب تعلنه الأمم المتحدة برعاية الولايات المتحدة الأميركية طبعاً، فتستسلم بموجبه مفاتيح المسجد الأقصى وقبة الصخرة وكنيسة المهد،
أما في الصومال فقد جاء الاحتلال الإنساني بلا طلب، وجاء لينقذ الصوماليين من قياداتهم وميليشياتهم وصراعاتهم القبلية التي سلمتهم إلى غائلة الجوع والموت الجماعي،
وطبيعي أن يخرج الصومالي من “عروبته” التي لم يعترف له بها فعلياً، ليستقبل “المارينز” وسائر قوات الحملة الصليبية التي جاءته بالغذاء والأمن والمصالحة الوطنية!! وأن تهتز علاقته بدنيا المسلمين الذين لم يمدوا إليه يد النجدة ولا بادروا إلى مساعدته بأي شكل وبأي قدر، فالقليل خير من العدم…
أما في أقطار أخرى أكثر أهمية، إن بوزنها أو بدورها أو بموقعها الاستراتيجي، كمصر والجزائر، فإن الصراع الدموي بين عروبة مدعاة وبين نمط أشوه من الدعوة إلى أسلمة المسلم، يقترب من حافة الحرب الأهلية التي تهدد باندثار العروبة والإسلام معاً!
وبالإجمال فإن العرب عموماً يشكون من نقص خطير في عروبتهم كما في إسلامهم، وهذا النقص مرشح لأن يتفاقم مع تزايد النزعة إلى “التأمرك”، وهي الطبعة الجديدة والأعظم خطورة للتغرب، أو للاغتراب عن الذات، أي عن العروبة والإسلام وما بينهما العلاقة بالأرض.
إن كل عربي يعيش حالة تمزق مريعة، فهو ممنوع من أن يكون هو ذاته ولأسباب تبدو – في ظاهرها – موضوعية تماماًز
إن العروبة لم تعد “حالة سياسية”، كما كانت في زمن مضى، ولم تعد صلة رحم مع فكرة الثورة والتغير وتجديد الذات بتوكيد الانتماء إلى أمة عريقة وصاحبة دور حضاري مجيد.
و”الإسلام السياسي” لا يرى مجالاً لتوكيد ذاته إلا بإلغاء العروبة، إذ يرى نفسه بديلها “الشرعي”، وهكذا يحصر همه في شطبها أولاً، مدعياً أن تلك خطوة لا بد منها للتفرغ من ثم لمقاتلة إسرائيل والصهيونية والشيطان الأكبر الأميركي!
لكأنما مفروض على أي عربي أن يختار بين عروبته وبين إسلامه،
فإذا ما اختار عروبته فهو في نظر بعض البدع “الأصولية” كافر، وهو إن اختار هذه الأنماط من الإسلاميات الرائجة خرج من العروبة ولم يدخل في الدين،
وهو في أي خيار خاسر لأنه سيضعف أكثر فأكثر أمام حاكمه الطاغية، الذي. وقد تحرر من العروبة والإسلام معاً. سيكون طليق اليدين وهو يسلم البلاد بأرضها وثرواتها وشعبها وتاريخها، إلى الحملات الصليبية الجديدة المعقود لواء قيادتها للولايات المتحدة الأميركية باعتبارها سيدة النظام العالمي الجديد.
إن كل عربي مطارد، حيثما وجد.
في بعض أقطاره يطارد لأن عروبته هي مصدر الخطر على النظام الذي ذهب إلى التأمرك إلى حد “بيع” البلاد مفروشة للسيد الجديد،
وفي أقطار أخرى يطارد فيه إسلامه، لأن إسلامه إن صح يلزمه بإشهار سيفه على حاكمه الظالم وعلى مصدر الظلم سواء أتمثل بالمحتل الإسرائيلي ام بالمهيمن الأميركي،
ومن الصعب على أي عربي أن يخفي في آ ن عروبته وإسلامه ليحمي نفسه من بطش الطاغية… خصوصاً وإن “ثورة المعلومات” التي يوظفها الأميركيون لأغراضهم التجسسية، باتت قادرة على كشف مكامن الإيمان في نفس أي عربي يعجز حاكمه عن انتزاع الاعتراف منه بالوسائل الديموقراطية!
وماذا يبقى من الإنسان العربي إذا ما هو أفرغ من عروبته وإسلامه؟!
إنه يتحول إلى شلو، وإلى كمية فائضة عن حاجة العالم إلى مخلوقات بلا روح ولا إرادة، بلا طموح وبلا فكر، تستهلك ولا تنتج، وتبطئ مسار الحضارة الإنسانية لأنها تصير بين المعوقات!
الطريف أن حكام العرب يصرون على ادعاء الأهلية والأحقية في الحكم بالقول إنهم الأصفى عروبة بالنسب، والأصدق إسلاماً من خلال الظهور اليومي وهم يؤمون الصلاة في المساجد الممتلئة بالمخبرين والعسس وكتبة السلطان!
أي إنهم باسم العروبة والإسلام يبيدون العرب والمسلمين،
وحيثما تنقص العروبة والإسلام يجيء الأميركان وقوات التحالف الدولي،
وها هي الخرائط أمامك تشهد بمدى انحسار العروبة والإسلام عن أرض العرب والمسلمين الذين عوضنا الله عنهم بطوابير المارينز وهم من هم في عالم التقى والورع والحرص على الدين الحنيف.
والقاعدة تؤكد نفسها يومياً: يخرج العرب من عروبتهم وإسلامهم فيخرجون من الدنيا ولو كانت أعدادهم بالمليارات.
والسلام على من أتبع الهدى!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان