كلا ارتطمت السياسة الأميركية بالحقائق الموضوعية الثابتة في منطقتنا والناجمة عن تجاهل مقصود تستوجبه خطط الهيمنة المنفردة أو المشتركة مع إسرائيل، ارتفعت الأصوات ، في واشنطن تنبه إلى الخطر السوفياتي الداهم وتحذر من الاجتياح السوفياتي المؤكد لهذه المنطقة الغنية بالثروات والموارد الطبيعية والمواقع – والموانع – الاستراتيجية الحاكمة؟
وفي الحالين يتصرف أصدقاؤنا الأميركيون وكأن المنطقة أرض مفرغة من البضشر، وربما لهذا يطلقون عليها تسمية جغرافية تعنيهم هم ولا تعني أهلها: “الشرق الأوسط”، بحيث تنزع عنها هويتها وانتسابها إلى قومها أو ناسها أو أصحابها أو مواطنيها أو حتى سكانها الأصليين!
وإذا ما اعترفوا بأحد فيها، إلى جانب إسرائيل، فبمن يواليهم ويكون مستعداً، في الوقت ذاته للتخلي عن السيادة ورهن الأرض والمصير.
أما الآخرون، أي الشعب، فهم المتطرفون والإرهابيون من الخمينيين إلى المخربين الفلسطينيين إلى القذافيين إلى أتباع الشيوعية الهدامة واليسار الدولي!
… وهكذا حين ارتطمت مبادرة ريغان بالتعنت الإسرائيلي الناجم عن استمرار تدفق المساعدات الأميركية على الدولة المعتدية والمحتلة، كان رد فعل واشنطن أن أعطيت إسرائيل مزيداً من المساعدات ، بينما أنقصت المساعدات الخاصة بمصر كامب ديفيدن وأن قررت واشنطن المضي قدماً في تزويد إسرائيل بالأجزاء والقطع اللازمة لإنتاج طائرة “لافي” التي هي نسخة معدلة من أحدث ما توصلت إليه العقول العاملة في الولايات المتحدة في مجال الطيران الحربي.
أما حين بدا وكأن الملك حسين متردد في قتال الفلسطينيين من أجل انتزاع موافقتهم على مبادرة ريغان، فقد تجاوزت واشنطن إهانتها لمصر وكاد ريغان “يعرق” – على حد تعبير “نيويورك تايمز” – وهو يحاول “توسيط” حسني مبارك لإقناع الملك حسين بضرورة الدخول في”مشروع السلام الأميركي”.
وفي الحالين كانت واشنطن تتجاهل الحقائق الموضوعية المانعة لنجاح مبادرة ريغان، مع تجاوز إنها أصلاً لا تلبي البديهيات التي لا يمكن أن يتنازل عنها من اعتبروا موضوعها.
لقد تجاهلت واشنطن إن سياستها في المنطقة هي العامل الرئيسي في تصليب الموقف الإسرائيلي، هذا إذا ما قفزنا من فوق حقيقة إن الحرب الأخيرة التي شنتها إسرائيل هي حرب أميركية الأغراض – أصلاً – ، وأميركية الأدوات والسلاح والقنابل سواء أكانت مجوفة أم مفرغة أم عنقودية أو حتى نابالم.
وتجاهلت حقيقة إن منظمة التحرير الفلسطينية حقيقة أساسية وثابتة في المنطقة، كونها تمثل شعباً حقيقياً له قضية حقيقية، يعجز أي حاكم عربي – كائناً ما كان موقفه الضمني – عن التنكر لها أو تجاوزها،
وتجاهلت إن الملك حسين لا يمكن له أن ينسى لا شبح جده الملك عبد الله ولا شبح صديقه وحليفه أنور السادات، إضافة إلى أنه لم يجد في “تجربة” مصر الساداتية ما يشجعه، بشهادة من ورث أوزارها وعجز عن الخروج من أسار الارث، ولا هو وجد في نتائج ما جرى في لبنان ما يقوي موقعه في مواجهة الفلسطينيين (وسائر العرب) بشهادة الحاكم اللبناني المثقل الآن بأعباء هذه النتائج في ظل الضعف المتزايد في الموقف الأميركي من واقع الاحتلال الإسرائيلي للبنان.
لهذه الأسباب مجتمعة، ولكثير غيرها من الطبيعة ذاتها، لا يتوقع العارفون كبير نجاح لرحلة وزير الخارجية الأميركية، جورج شولتس للمنطقة العربية التي ستبدأ يوم غد،
فماذا يملك شولتس لكي يقدمه للأطراف المعنية، في ما عدا غسرائيل؟!
واي حل سحري يحمله معه حتى يمكن قبول توقع المتوقعين أن تشهد زيارته – لبنانياً – ختاماً ناجحاً للمفاوضات لإجلاء الاحتلال الإسرائيلي، في حين يؤكد رئيس جمهورية لبنان إن إسرائيل تحاول أن تفرض علينا شروطاً تهدد وجو لبنان وتلغي سيادته واستقلاله؟!
وأي حل سحري يحمله معه حتى يمكن قبول توقع المتوقعين أن تشهد زيارته استعادة لسوريا “من أحضان السوفيات”، على حد ما يقول الأميركيون والإسرائيليون هذه الأيام، وبيغن يقول ويعيد إنه لن يتخلى عن الجولان مهما جرى وصار؟!
وأي حل سحري يحمله معه حتى يمكن قبول توقع المتوقعين أن يغري الملك حسين بالمضي قدماً في “الخيار الأردني” متجاهلاً منظمة التحرير وإرادة شعب فلسطين، وواقع إن الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة يعيشون أبأس أيامهم، والبعض يقول أيامهم الأخيرة في أرضهم؟!
الواقع الوحيد الملموس، لبنانياً، إن ثمة استعدادات إسرائيلية للحرب ضد سوريا، وإن ثمة استعداداً ملحوظاً من جانب “القوات اللبنانية” لتجديد الاقتتال في الجبل، بهدف فرض سيطرتهم عليه عشية الانسحاب الإسرائيلي المرتقب منه.
وأقصى ما يتمناه أن تنتهي جولة شولتس بسلاح: أي بغير أن تمكن إسرائيل من توجيه ضربة جديدة إلى سوريا، بقوة السلاح والدعم وأصناف المساعدات الأميركية الأخرى، وبغير أن يمكن الشارونيون داخل “القوات اللبنانية” من فرض حرب جديدة في الجبل قد تذهب بالبقية الباقية من حلم الوطن ومن مشروع الدولة في لبنان.
فشولتس يجيء مطارداً “الوجود السوفياتي” العائد إلى المنطقة، في حين إن هموم المنطقة جميعاً تتصل بالاحتلال الإسرائيلي لبعض أرضها ولمعظم إرادتها.
وبهذا المعنى تصبح رحلة شولتس مكرسة لطرد الأمل، مجرد الأمل، بإنهاء الاحتلال الجاثم على الأرض – وعلى النفس – ولمطاردة شبح يسمونه “الوجود السوفياتي” في حين إن اسمه الأصلي هو أن يبقى أصحاب الأرض أصحاباً لأرضهم بدل أن يغتصبها منهم الإسرائيليون بقوة السلاح الأميركي والدولار الأميركي ومشروع الهيمنة الأميركي على المنطقة العربية.
وقديماً كان شولتس بائع أوهام تنموية، وها هو الآن يجيئنا بائع أوهام سياسية!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان