الإدارة سيئة السمعة، ولو أنها طهرت كل يوم لظلت المطالبة بتطهيرها قائمة،
لكن الإدارة تصبح مظلومة ويتحول المطهرون إلى ضحايا فإلى شهداء عندما تكون الحكومة مطعونة في نزاهتها، وغير معروفة بشغفها بالعدالة وتدقيق المعلومات، ولم يشتهر عنها ولعها بالنقاش والحوار الديموقراطي والمحاسبة بالقانون ومن داخل منطق القانون.
ثم إن التطهير لا يتم بمعزل عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للموظفين، أي لدخولهم الشرعية مقارنة بكلفة حياتهم اليومية… وفي بلد لا يتجاوز فيه الحد الأدنى للأجور المائة والثمانية عشر ألف ليرة، ولا يزيد مرتب القاضي الكبير فيه أو المدير العام عن أجر الخادم الفيليبينية، لا بد من اعتماد مقاييس أخرى في تحديد النزاهة ونظافة الكف.
لا مدرسة حكومية بمستوى مقبول، ولا تطبيب أو استشفاء حتى لأصحاب الدخول العالية نسبياً (اللهم ما عدا اللصوص والسماسرة وتجار الملذات ومكتشفو أمراء النفط). كل شيء بالثمن الباهظ: التعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي والجامعي. المسكن، متى وُجد. المواصلات. أسعار الحاجيات التي كلما “أنقص” سعر صرف الدولار تضاعفت أثمانها بالدولار!! وفي آخر ما يتداول العارفون فإن القيمة الفعلية للدولار الآن تتجاوز الثلاثة آلاف ليرة لبنانية وأن سعر الصرف الرسمي وهمي كما النهوض الاقتصادي!
الأهم: لا دولة ولا إيمان بالدولة ولا ثقة بالحكم كمرجعية صالحة، بالمعنى الخلقي والقانوني ومن ثم السياسي. فالرشوة فوق، أما تحت فحفنة من الدولارات يتوزعها جيش من الموظفين المحتاجين بعدما يقتطع السماسرة نصيبهم منها.
ولأن الثقة معدومة بهذا الحكم كما بالذي قبله وقبله فقد “انتخب” الشعب بعض من أدين من الموظفين بتهمة الفساد والإفساد نواباً، ثم صيّرتهم “نزاهة” الحكم وزراء.
ثم أن الأمور نسبية: أمراء الحرب. وأبطال المذابح الجماعية وسارقو خزينة الدولة وأملاك الناس والمتجاوزون الدساتير والقوانين نالوا شهادات براءة بالعفو العام وصاروا حكاماً، أو تركت لهم المليارات التي نهبوا يتمتعون باستثماراتها الهائلة، في حين تجتمع سلطات الدولة وأجهزتها الرقابية جميعاً على موظف قبض رشوة تافهة على خدمة أداها لبعض أولئك المعفو عنهم، أو لبعض من أزلامهم النافذين… وفي أحيان كثيرة على موظف لم يرتش ولم يسرق ولكنه وُجد خارج الدولة، وبجهده الخاص، وسائل شخصية لزيادة دخله وتأمين سقف لعائلته.
الراشون قضاة فكيف تطمئن إلى الأحكام، وكيف تقبل إدانتهم لهؤلاء الذين استضعفوهم فأدبوهم وجعلوهم عبرة لمن يعتبر؟! ولن يعتبر إلا الذين كانوا يرفضون أن يصيروا “زلماً” أو “قتلة مأجورين” يحتمون بهذا الزعيم الطائفي أو ذاك فيحاولون استدراك ما فاتهم من ضمانات الحياة في مرقد العنزة!
أولى النتائج أن معدلات أو تسعيرة الرشوة ستتضاعف مرات ومرات ابتداء من بعد غد الاثنين!
وأخطر النتائج أن النظام الديموقراطي الذي يقوم على قواعد العدالة وحق الدفاع عن النفس واللجوء إلى المؤسسات الحامية لحقوق الناس وكرامتهم ونزاهتهم، قد أصابه عطب جديد وخطير.
اقرعوا الطبول لموكب الراشين الذين أنجزوا التطهير بقتل الإدارة بعد اغتيال سمعتها!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان